Skip to content

Personal tools

قرار المؤتمر ال18 حول الإشتراكية




قرار المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي اليوناني

تقديرات و إستنتاجات استخلصت من عملية البناء الإشتراكي في إتحاد الجمهوريات السوفييتية الإشتراكية خلال القرن العشرين

الإشتراكية وفقاً لتصور الحزب الشيوعي اليوناني

أثينا 18 – 20 شباط فبراير 2009

تمهيد

قام المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي اليوناني تجاوبا منه مع واجبه المقرر خلال مؤتمره السابع عشر، المنعقد قبل أربعة أعوام، بالتعمق في الأسباب التي أدت لإنتصار الثورة المضادة و لعودة الرأسمالية. هذا وشكل هذا الواجب بالنسبة لحزبنا، كما و لكل حزب شيوعي، التزاما عاجلا و ملحا. و كواجب مماثل تمت مجابهته منذ المؤتمر ال14 و المؤتمر "الوطني" الذي عقده الحزب عام 1995، و حتى اليوم . فهو واجب مرتبط بإعادة إحياء الوعي الإشتراكي و الإيمان به.

على مدى قرن كامل مضى وحتى الآن، اتخذت محاربة البرجوازية للحركة الشيوعية في أغلب الأحيان، شكلاً فكرياً نخبوياً، يركز نيرانه على النواة الثورية للحركة العمالية : محاربا عموماً ضرورة الثورة و مُنتجها السياسي، ديكتاتورية البروليتاريا، أي سلطة العمال الثورية. هذا و يركز بحربه خصيصاً على أول منتج لأول ثورة تكللت بالنصر و هي ثورة أكتوبر في روسيا، مقاتلا بشراسة ضد كل مراحل الثورة المتصدية و الفاضحة لكل أشكال النشاط المعادي للثورة، وللسواتر الإنتهازية المُضعفة ضِمنا بشكل مباشر أو غيره للثورة على الصعيدين الإجتماعي و السياسي .

على مدى قرن مضى و حتى الآن، تم الترويج "للإشتراكية الديموقراطية"، كبديل في مواجهة "الشيوعية الإنقلابية"، "الشمولية"، "الديكتاتورية"، كما رُوِّجَ لكل تيار رافضٍ، متخاذلِ، و متخلٍ عن ضرورة النضال الثوري. كما و تعرفنا على الحملة و التشهير الممارس ضد الشيوعية العلمية ، و ضد الصراع الطبقي، والتي لا تمارس فقط في ظروف الرأسمالية، بل تتخذ أشكالاً أخرى لها في ظروف أخرى، مرتبطة بعملية تشكُّلِ العلاقات الاجتماعية الجديدة كما وفي غضون امتدادها و صيرورتها لشيوعية.

في أيامنا هذه نشهد ارتصاص صفوف الانتهازية العالمية ضمن "حزب اليسار الأوروبي" الذي يرفع عقيرته منادياً "باشتراكية ذات وجه ديموقراطي" وذلك في ظروف أزمة اقتصادية رأسمالية متزامنة.
لهذا السبب ، فإن المناقشة حول  "ديموقراطية الإشتراكية" عبر اتباع معايير و مقاييس مختلفة، يجري تبنيها بغرض الحكم على هذه الفترة أو تلك، و بهدف وحيد هو الحكم بشكل عدمي على إنجازات البناء الإشتراكي، فتارةً يتَّبعون اسلوب العدمية للحكم على مسيرة 70عاماً من تاريخ الإتحاد السوفييتي و تارةً أخرى يقتصر حكمهم العدمي على تلك الفترة التي تم فيها وضع الأساس الإشتراكي، و في كل الأحوال فهم يقومون بدعم تلك  الخيارات السياسية التي شكلت انحرافاً عن المسار الاشتراكي.

إن الحزب الشيوعي اليوناني باقٍ و بثبات على الدفاع عن منجزات المسار الاشتراكي في الإتحاد السوفييتي و عن منجزات بناء الاشتراكية بشكل عام في القرن ال20 ، و هو باقٍ على الكفاح من أجل التقدم الاجتماعي، و إلغاء استغلال  الإنسان للإنسان.

تمكن حزبنا في أيامنا هذه من زيادة تحصينه الفكري و من زيادة خبرته السياسية، لمواجهة التدخلات الايديولوجية الممارسة من قبل المراكز البرجوازية، الجاري عبر مطبوعاتها و عبر العملية التعليمية، المتصفة بمدى تأثير معين يصل لمحيط الحزب أو يتجاوزه مؤثراً داخله.

إننا نقوم بدراسة المسار القاسي و الوعر للصراع الطبقي، في سبيل مجتمع جديد و من أجل التأسيس لتنميته و تطويره، و من أجل توسيع وتطوير علاقات الإنتاج- التوزيع، الجديدة و كافة العلاقات الاجتماعية، أي من أجل خلق إنسان جديد.  كما و نشير للتناقضات والإنحرافات، الواقعة تحت ضغط توازن القوى العالمي، دون أن نندفع أو ننقاد نحو العدمية.

 تهدف دراستنا عبر النقد و النقد الذاتي،  جعل الحزب الشيوعي اليوناني حزباً أقوى باعتباره جزءاً من الحركة الشيوعية العالمية، أي حزباً أقوى  في النضال من أجل إسقاط الرأسمالية و بناء الاشتراكية، فدراستنا و حكمنا على مسار البناء الاشتراكي تتصف بالنقد الذاتي، أي من منطلق إدراكنا الكامل بأن نقاط ضعفنا و تقصيرنا الفكري إضافةً لتقديراتنا الخاطئة كحزب، شكلت وقتها أيضاً جزءاً من المشكلة.

و مع إدراكنا لذاتنا و للصعوبات وأوجه التقصير، و عبر تسلحنا بعزم طبقي على التعمق في الإستنتاجات و التقديرات، بهدف إثراء مفهومنا البرامجي لقضية الاشتراكية.  و من جانبنا نعبر عن يقيننا، بأن الدراسة التاريخية التي سيقوم بها حزبنا أو الحركة الشيوعية العالمية، مستقبلياً، ستضفي و بلا شك عن إضاءة إضافية،  حول قضايا تجربة الإتحاد السوفييتي و الدول الإشتراكية الأخرى، و بالتأكيد ستطرأ جوانب متعلقة بإضافة و تحسين و تعميق بعض تقديراتنا.  و إضافة لما ذكرنا فإن تطوير نظرية الاشتراكية - الشيوعية هي ضرورة وعملية تتصف بالحيوية ، كما أنها تشكل تحديا بالنسبة لحزبنا وللحركة الشيوعية العالمية في الحاضر و المستقبل.

إن للحزب الشيوعي اليوناني الخبرة التي تضمن استمرارية  إغناء معرفته و رؤيتهه الموحدة، أمر تثبته ممارسته المُثابِرة منذ المؤتمر 14 و حتى الآن.

لقد أثبتت عملية التحضير للمؤتمر حِس المسؤولية و النضج الذي مَيز أعضاء و كوادر الحزب، أثناء مداخلاتهم لتوجيه معايير و محاور نص موضوعات اللجنة المركزية الذي تم إقراره.

هذا و تضطلع اللجنة المركزية الجديدة المُنتخبة، بمهمة تنظيم مزيد من البحوث بشأن القضايا المعينة، و بالسعي للتعاون مع قوى شيوعية، ولا سيما من بلدان البناء الاشتراكي السابق، كما تضطلع أيضاً بتحديد أشكال مشاركة قوى الحزب في عملية الصياغة النهائية للاستنتاجات المستخرجة من هذه الدراسات المذكورة.
عبر هذا القرار الصادر عن المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي اليوناني،  يقوم الحزب بإثراء رؤيته البرامجية للاشتراكية.

كما و يخرج الحزب من هذا المؤتمر  معززاً لقوته و وحدته الفكريتين، قادراً على إلهام و تعبئة قوى عمالية و شعبية جديدة لاسيما الشبابية منها، في النضال من أجل الاشتراكية.
كما و يعبر المؤتمر الثامن عشر، عن تفاؤله الثوري بأن السنوات المقبلة ستشهد إعادة تشكيل الحركة الشيوعية العالمية، التي يشكل الحزب الشيوعي اليوناني جزءاً منها، و هي إعادة تشكيل من مبدأ تعزيز وحدتها الفكرية والاستراتيجية.

أ- منجزات النظام الإشتراكي

1- إن أمر تطور الرأسمالية والصراع الطبقي أنتج الحضور الحتمي للشيوعية في المشهد التاريخي، في منتصف القرن اﻟ19.  حيث تم وضع "البيان الشيوعي" كأول  برنامج شيوعي علمي، من قبل  كارل ماركس و فريدريك انجلس عام 1848 أي منذ 160عاما. كما و شكلت كومونة باريس عام 1871 أول ثورة بروليتارية.

هذا و ترافق القرن اﻟ20 مع حضور نجاح ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا عام 1917، و هي التي شكلت بداية أحد أعظم إنجازات الحضارة في تاريخ البشرية، و هو الإنجاز المتمثل  بإلغاء استغلال الإنسان للإنسان.

تلى ذلك و بعد الحرب العالمية الثانية، الإستيلاء على السلطة، بهدف بناء الاشتراكية.في عدد من بلدان أوروبا وآسيا والأمريكيتين إضافةً  لكوبا.

 وعلى الرغم من أي مشاكل وجدت  في البلدان الاشتراكية، فقد أثبت النظام الاشتراكي المحقق في القرن اﻟ20، تفوق الاشتراكية على الرأسمالية، عبر المكاسب الهائلة المحققة في كلا مجالي عمل و حياة الكادحين.

كما شكل الاتحاد السوفييتي  مع المنظومة الاشتراكيةً، الثقل الفعلي المعطل، لعدوانية الإمبريالية على الصعيد العالمي، كما و كان  دور الاتحاد السوفييتي حاسماً في تحقيق نصر الشعوب في الحرب العالمية الثانية، حيث قام اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، بسحق الآلة العسكرية لألمانيا وحلفائها المعتدين، على أراضيه، إضافةً لقيامه  بتحرير العديد من بلدان أوروبا من قوات الاحتلال الألماني،  حيث قام أكثر من 20 مليون مواطن سوفييتي بالتضحية بحياتهم، دفاعاً عن الوطن الاشتراكي، كما تكبد الإتحاد السوفييتي ما يقارب اﻟ 10 ملايين من المعوقين والجرحى كخسارة، إضافةً للدمار المادي الهائل.

هذا و أدت انتصارات الجيش الأحمر إلى نمو و تطور كبير في حركات التحرر الوطني و الحركات المعادية للفاشية، التي تصدرتها الأحزاب الشيوعية في بلدان أوروبا الوسطى والشرقية، كما و كان دور الإتحاد السوفييتي حاسماً في ربط النضال ضد الفاشية، مع النضال لإسقاط السلطة البرجوازية.
كما و سطرت الدول الاشتراكية أمثلةً تاريخيةً في التضامن الأممي مع الشعوب المناضلة، ضد الاستغلال والاحتلال الأجنبي والتدخلات الإمبريالية، حيث ساهمت بشكل حاسم في الاطاحة بالنظام الاستعماري، وفي الحد من الصراعات والمواجهات المسلحة.

كما و شكَّلت مكاسب الكادحين في البلدان الاشتراكية على مدى عقودٍ، معياراًعالمياً، حيث ساعدت بدورها الحركة العمالية و الشعبية على انتزاع مكاسبٍ معينة، في إطار مجتمعاتها الرأسمالية. إن ميزان القوى المتشكل بعد الحرب العالمية الثانية، عالمياً، أجبر الدول الرأسمالية بشكل نسبي، على القيام بتراجعات و مناورات بغرض التصدي لخط النضال الثوري، بهدف تهيئة الظروف لإحتواء الحركة العمالية.

إن إلغاء علاقات الإنتاج الرأسمالي، حرر الإنسان من أغلال العبودية المأجورة، و فتح الطريق لإنتاج وتطوير العلوم من أجل تلبية حاجات الشعب. و هكذا كان للجميع عمل مضمون، و رعاية صحية وتعليم عام مجاني، وإسكان ترافق مع توفير خدمات بقيمة منخفضة من قبل الدولة، و إمكانية التواصل مع الإبداع الفكري والثقافي.  و ذلك مع القضاء و التغلب على "إرث" الأمية الرهيب، مع مرافقة هذا كله لارتفاع المستوى العام للتعليم والإختصاصات، والقضاء على البطالة، فكل الأمور المذكورة تشكل و بامتياز انجازاتً اشتراكية حصرية.

فوفقاً لإحصاء عام 1970، كان قد حصل في الاتحاد السوفييتي على التعليم العالي و المتوسط أكثر من ثلاثة أرباع السكان العاملين في المدن و 50 ٪ من العاملين في الريف.[1]

كما و كان الإتحاد السوفييتي قد حقق في عامه الرابع و العشرين أي قبل الهجوم النازي، قفزات هائلة في التنمية الإقتصادية و الإجتماعية، مخففاً من التفاوتات الموروثة، حيث قامت الثورة الثقافية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من عملية البناء الاشتراكي، بإعطاء الكادحين الفرصة للتعرف على منجزات الحضارة الإنسانية.
و في عام 1975 تم في الاتحاد السوفياتي و بموجب قانونٍ، تحديد سقف ساعات العمل، الذي لا يمكن أن يتجاوز اﻟ 41  ساعة أسبوعياً[2]، و هو من أصغرها في العالم، كما واستحق جميع العاملين، أيام راحة أسبوعياً وإجازات سنوية. مدفوعة الأجر، حيث تمت إطالة وقت  الراحة،  مع تغيير محتواه بتوجيهه، نحو تطوير مستوى الكادحين الثقافي والتعليمي، و نحو تعزيز مشاركتهم في السلطة العمالية و في رقابة و تفتيش وحدات الانتاج.
لقد كان كل من الضمان و الرعاية الاجتماعية للعمال في قمة أولويات الدولة اشتراكية.  حيث تم إنشاء نظام المعاشات التقاعدية الشامل، المترافق مع إنجاز كبير تمثَّل في فرض سن تقاعد منخفض (55 سنة للنساء و 60 للرجال). حيث كانت  صناديق التقاعد تُموَّل من قبل الموازنة العامة للدولة و مساهمات الشركات والمؤسسات في الضمان الاجتماعي،  حيث ترافق ذلك  مع وجود ظروف مشابهة، في البلدان الأخرى الاشتراكية في أوروبا.
هذا و قامت السلطة الاشتراكية بوضع الأساس، للقضاء على التمييز الممارس بحق المرأة، وللتغلب على الصعوبات الهائلة الموضوعية، حيث  تكفلت السلطة عملياً بإحقاق الطابع الإجتماعي للأمومة، وللرعاية الاجتماعية للطفل كما أعطت للمرأة حقوقا متساوية مع الرجل في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، علماً بعدم توصلها لإجتثاث كافة أشكال العلاقات غير المتكافئة مع الجنس الآخر و القضاء على مظاهرها، وهي المظاهرالتي كانت ترسخت عبر قرون طويلة.

 إن ديكتاتورية البروليتاريا أي سلطة العمال الثورية، و بصفتها كدولة تعبر عن مصالح الأغلبية الاجتماعية للمُستغَلين بدلا من أقلية المُستغِلين الاجتماعية، أثبتت تفوقها و سموَّها كشكل من أشكال الديموقراطية. فلأول مرة في التاريخ أُعطيت الفرصة لوحدة الإنتاج  لتصبح نواة للديمقراطية، عِبر مشاركة الكادحين في السلطة و الإدارة، وعبرإعطاء الكادحين امكانية انتخاب ممثليهم في أعلى هيئات السلطة مع أمكانية سحبهم إذا أقتضى الأمر، لقد أخرجت السلطة العمالية الجماهير من التهميش، حيث تم إنشاء و تطويرعدد كبير من المنظمات الجماهيرية والنقابية، الثقافية، التعليمية، النسائية إضافةً للشبيبية منها، التي ضمت في صفوفها غالبية السكان.

إن الدعاية البرجوازية والانتهازية أثناء حديثها عن "الأنظمة اللاديمقراطية والغير حرة" تسلط الضوء على مفاهيم "الديمقراطية" و "الحرية" من منطلق محتواها البرجوازي: أي عبر مساواة مفهوم" الديمقراطية"  بالبرلمانية البرجوازية، و مساواة "الحرية" بالأنانية البرجوازية وبالملكية الرأسمالية الفردية، إن المحتوى الفعلي للحرية والديمقراطية في ظروف الرأسمالية، هو الإكراه الاقتصادي نحوعبودية العمل المأجور المترافقة مع ديكتاتورية رأس المال، في المجتمع بشكل عام من جهة، و في الشركات و المؤسسات الرأسمالية.بشكل خاص من جهة أخرى. إن مُقاربتنا النقدية المتعلقة بالمشاركة و الرقابة العمالية والشعبية، لا تمت بصلة للحرب المُعلنة من قِبل البرجوازيين و الإنتهازيين على الإتحاد السوفييتي حول قضايا الحقوق والحريات.

دشنت ثورة اكتوبر عملية المساواة بين الشعوب و القوميات في إطار دولة ضخمة متعددة القوميات قدمت توجهاً نحو حل المشكلة القومية عبر القضاء على اضطهاد القوميات و تعابيره، و لكن هذه العملية قُوضت عبر تراجع العلاقات الإشتراكية، كما وتم ايقافها نهائياً أثناء أحداث الثورة المضادة في ثمانينيات القرن الماضي.

كما و قامت الدول الإشتراكية بمحاولة جادةٍ، لتطوير أشكال التعاون والعلاقات الاقتصادية، على مبدأ الأممية البروليتارية.  حيث شكَّل تأسيس "مجلس التعاون الإقتصادي المتبادل" عام 1949محاولةً  لتشكيل نمط جديد "مجهول" حتى حينها، للعلاقات الدولية، يقوم على أساس مبادئ المساواة والمصالح المتبادلة والمساعدة المتبادلة بين الدول التي تعمل على بناء الاشتراكية. كما يذكر وجود تفاوت في مستوى التنمية الاشتراكية، بين دول سلطة العمال الثورية، و هو تفاوت ناتج في أغلبه عن مستوى التطور الرأسمالي الذي كان قائما عند الإستيلاء على السلطة، وهي مسألة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبارعند  القيام بالمقارنة و التقييم.

هذا و تعتبر المكاسب المحققة بلا شك، كمكاسب بالمقارنة مع نقطة انطلاق البناء الإشتراكي، كما و بالمقارنة مع مستوى معيشة الكادحين في العالم الرأسمالي، و هي تثبت امتلاك الاشتراكية، لإمكانات كامنة تمكِّنها من تحقيق نمو متواثب مستمر و من تحقيق الرخاء الاجتماعي و تطوير و تنمية الإنسان بشكل شامل.

إن ما هو جديد من الناحية التاريخية، هو أن هذا التطور يشمل الجماهير ككل، وعلى النقيض من التطور الرأسمالي المترابط مع الاستغلال والظلم الاجتماعي، و الدمار الكبير الذي ضرب السكان الأصليين في القارة الأمريكية، وأستراليا، و  نظام الرق في الولايات المتحدة الأمريكية في القرون السابقة، و مع الاستغلال الاستعماري، وفوضى الإنتاج والدمار الناتج عن  الأزمات الاقتصادية الكبيرة، و مع الحروب الاستعمارية، وعمالة الأطفال، و الكثير من غيرها...

إن الحكم على إنجازات و تفوق البناء الاشتراكي في الإتحاد السوفييتي ،ينبغي أن يأخذ بالحسبان استراتيجية الحصار الامبريالي، التي تسببت في دمار كبير، إضافةً  للعقبات والتهديدات المستمرة.

ب - الموضوعات النظرية حول الاشتراكية، كطور أدنى للشيوعية

2-  الاشتراكية هي الطور الأول في التشكيل الاجتماعي - الاقتصادي الشيوعي، وليست بتشكيل مستقل من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، فهي باكورة الشيوعية أي شيوعية  غير ناضجة.

إن الغلبة الكاملة لحتميات الشيوعية يتطلب التغلب على عناصرعدم النضج التي تميز طور الشيوعية الأدنى، أي الاشتراكية.

إن الشيوعية الغير ناضجة تعني عدم تحقيق الغلبة الكاملة، للعلاقات الشيوعية على صعيدي الإنتاج والتوزيع، حيث يسيطر القانون الأساسي لأسلوب الإنتاج الشيوعي " إنتاج متناسب مع تحقيق كامل الاحتياجاتالاجتماعية" حيث تتم تحويل ملكية وسائل الإنتاج المتمركزة لملكية اجتماعية، ولكن في البداية لا تزال هناك أشكال للملكية الفردية والجماعية التي تشكل قاعدة لوجود العلاقات البضاعية- المالية، حيث تتشكل نماذج تعاونيات إنتاجية، مع وجود مستوى لقوى الإنتاج، لا يسمح بدوره، تحويل وسائل الإنتاج لملكية اجتماعية، أن أشكال الملكية الجماعية  تمثل شكلا انتقالياً بين الملكية الاجتماعية و الملكية الخاصة، وليس شكلا "غير ناضج" للعلاقات الشيوعية.

هذا كما و يتم تغطية جزء من الاحتياجات الاجتماعية بشكل عام و مجاني، مع توزيع جزء كبير من المنتوج الاجتماعي للاستهلاك الفردي وفقاً لمبدأ " لكل حسب عمله ، في حين أن كل واحد يعمل وفقا لقدراته" بينما في ظل ظروف الشيوعية المتطورة، سيتم توزيع المنتوج الاجتماعي على أساس مبدأ "لكل حسب حاجته".

في ظل الاشتراكية و نتيجة لافتقار أساسها الاقتصادي للنضوج، يستمر وجود التفاوت الاجتماعي و الشرائح الاجتماعية مع وجود اختلافات كبيرة، جوهرية، قد تصل حد التناقضات، كتلك الموجودة بين المدينة والريف، و بين ممارسي العمل الروحي و اليدوي، وبين العمال الغير مختصين والمختصين. و هي فوارق يجب أن يُقضى عليها بشكل تدريجي مخطط.

هذا و تكتسب الطبقة العاملة بشكل متباين و تدريجيا أثناء بناء الاشتراكية، القدرة على حيازة معرفة متكاملة، مختصة بمختلف جوانب العملية الإنتاجية، والعمل الإشرافي-الإداري، إضافةً لدورها الأساسي في تنظيم العمل، ونتيجة لصعوبات هذه العملية، يوجد احتمال قائم، بقيام مديري الإنتاج و الموظفين في مجالات العمل الفكري و ذوي التخصص العلمي العالي، بعزل مصلحتهم الفردية أو الجماعية - الفئوية عن المصلحة الإجتماعية، و ذلك عبر استحقاقهم  لحصة أكبر من مجمل المنتوج الإجتماعي، في ظل عدم سيطرة " الموقف الشيوعي" تجاه قضية العمل.

إن القفزة التي تجري خلال فترة البناء الاشتراكي، أي خلال فترة الانتقال الثوري من الرأسمالية إلى الشيوعية المتقدمة، تتصف بتفوق نوعي عن كل سابقة، فالعلاقات الشيوعية بصفتها غير استغلالية لا تتشكل في إطار الرأسمالية.  حيث يجري صراع بين براعم الجديد و بين بقايا القديم، يشمل جميع مجالات الحياة الاجتماعية.  وهو نضال من أجل تغيير جذري لكل العلاقات الاقتصادية، أي وبالتالي لجميع العلاقات الاجتماعية، بهدف تحويلها لعلاقات شيوعية.

إن الثورة الاجتماعية لا تقتصر فقط على الاستيلاء على السلطة، وتشكيل قاعدة اقتصادية للتنمية الاشتراكية، بل تمتد على مدى المسار الاشتراكي، و تشمل التنمية الاشتراكية الهادفة لمقاربة تحقيق الطور الأعلى للشيوعية. فخلال مدة الإنتقال الطويلة التي تتوسط بين الرأسمالية و بين المجتمع الشيوعي المتطور،  يكتسب أمر تشكيل و بسط  وتعميق العلاقات الاجتماعية الجديدة، إضافةً لفرض تفوقها بشكل كامل لا رجعة فيه، لا بشكل استباقي،  بل استنادا إلى قوانين أسلوب الإنتاج الشيوعي. الأولوية في سياسة السلطة العمالية الثورية بقيادة الحزب الشيوعي .

وبالتالي، يستمرنضال الطبقة العاملة الطبقي، في ظل ظروف جديدة و بأشكال ووسائل أخرى، ليس فقط خلال فترة التأسيس للاشتراكية، بل أيضا خلال تطويرها، إنه نضال مستمر من أجل إلغاء كل شكل من أشكال الملكية الفردية والجماعية لوسائل ومنتجات الإنتاج، و من أجل إجتثاث جذور الوعي البرجوازي الصغير  التاريخية العميقة، كما و هو نضال من أجل تشكيل وعي اجتماعي و موقف، متناسب مع العمل الاجتماعي المباشر، وبناء على ذلك فإن ديكتاتورية البروليتاريا هي ضرورية كأداة للسيطرة الطبقية والصراع الطبقي، ليس فقط  خلال "الفترة الانتقالية"، من أجل توطيد السلطة الجديدة، و تحقيق الإجراءات لتشكيل العلاقات الاقتصادية الجديدة وإلغاء العلاقات الرأسمالية، بل أيضا خلال عملية تطوير الاشتراكية حتى بلوغها النضج أي بلوغ طورها الأعلى الشيوعي.

3- إن البناء الاشتراكي هو عملية متواصلة، تبدأ باستيلاء الطبقة العاملة على السلطة، حيث تضع أولياً تشكيل أسلوب إنتاج جديد، يسود في أعقاب إلغاء كامل العلاقات الرأسمالية، وعلاقة رأس المال والعمل المأجور، وفي وقت لاحق تمتد العلاقات الجديدة وتتعمق، مع تطور العلاقات الشيوعية و الإنسان الجديد الى مستوى اعلى يضمن سيطرة لا رجعة فيها، تشترط  بدورها إلغاء العلاقات الرأسمالية على الصعيد العالمي، أو على الأقل في البلدان المتقدمة، والمؤثرة في النظام الإمبريالي.

إن المسار الاشتراكي يحتوي بطبيعته على إمكانية إلتفافه وتقهقره نحو الرأسمالية،  هذا و ليست عملية التراجع  بظاهرة جديدة في مجال التطور الاجتماعي، وعلى أي حال فإنه يشكل ظاهرة مؤقتة في تاريخه، ومن الحقائق التي لا تقبل الجدل تاريخياً، هو أمرعدم وجود نظام اجتماعي – اقتصادي، تمكن من توطيد نفسه عبر محاولة واحدة. فالانتقال من طور أدنى للتطور إلى طورأعلى، ليس بعملية بسيطة تصاعدية باستقامة. هذا ما تظهره لنا عبر التاريخ، عملية سيطرة الرأسمالية.

4- إن النهج القائل بوجود "مجتمعات انتقالية"، ذات خصائص متميزة سواء فيما يتعلق الرأسمالية، أو بالنسبة للاشتراكية، هو غير صحيح. وانطلاقا من وجهة النظر هذه ينتج التفسير الخاطئ  لنمو العلاقات الرأسمالية في الصين و فيتنام ،على أنه يمثل "مجتمعاً انتقالياً متعدد القطاعات".

إننا لا نقوم بإغفال الخصائص المميزة لما يُعرف في المراجع الماركسية  "الفترة الإنتقالية" التي تتصف بسعي الثورة الاشتراكية لتحقيق النصر، و بإمكانية حدوث حرب أهلية، إضافةً لنضال العلاقات الشيوعية "الغير ناضجة" (الاشتراكية) الشاق، التي تجهد في بداية تشكلها، في تناقضها مع العلاقات الاستغلالية الرأسمالية، التي لم تُلغ بشكل كامل، وقد أظهرت التجربة التاريخية عدم إمكانية دوام هذه الفترة طويلاً،  ففي الإتحاد السوفييتي اكتملت هذه الفترة بحلول منتصف الثلاثينات. حيث أحتدم الصراع مع العلاقات الرأسمالية، وصعوبات التأسيس للاشتراكية، الناتجة عن الميراث الإقطاعي و البطريركي في المستعمرات السابقة لروسيا القيصرية، وقد  أشار لينين، لذلك بقوله أن حجم ومدة وطبيعة التدابير الانتقالية سيتوقف على مستوى تطور قوى الإنتاج التي ترثها الاشتراكية من الرأسمالية.[3] كما أكد أنه بما يخص البلدان المتقدمة يمكن تقليص التدابير الانتقالية  حيث الصناعة أكثر تطوراً، أو أنها حتى في بعض الحالات تعدو عديمة اللزوم.

إن الفترة الانتقالية ليست مستقلة عن عملية البناء الاشتراكي، فعبرها يتم تشكيل الأساس لتطوير المجتمع الشيوعي في طوره الأول.

 كما و مخطئ هو الرأي القائل بتقييد الظواهر الاجتماعية والتناقضات حصراً ضمن الفترة الانتقالية، في حين أنها تصف بوجودها إلى حد ما، أيضا طور الشيوعية الغير ناضج (الاشتراكي) (كأشكال الإنتاج التعاوني و الفردي، ووجود علاقات بضاعية - مالية ، والفرق بين المدينة والريف). إن هذا النهج يرى الاشتراكية كمجتمع لا طبقي يختلف عن الشيوعية المتقدمة، بميزة وحيدة  وهي استمرار وجود التناقض بين العمل اليدوي والفكري. وهكذا و وفقا لهذا النهج، تجري خلال الطور الاشتراكي عملية اضمحلال الدولة، ولا وجود لديكتاتورية البروليتاريا.  إن النهج المذكور ينأى بنفسه عن النهج الطبقي حول مسألة الدولة والصراع الطبقي في أثناء الاشتراكية.  فهو يقلل من دور العامل الذاتي في التنمية الاشتراكية.  وفي بعض الحالات يميل نحو تبني مقولة "الذبول العفوي التلقائي" لأشكال الملكية الفردية - التعاونية، و للعلاقات البضاعية- المالية، مقللاً من أهمية الطابع الاجتماعي للملكية، و ذلك على أرضية وجود مشاكل فعلية تتواجد في "الوساطة" بين المنتجين.

5-  إن تشكيل أسلوب الإنتاج الشيوعي يبدأ بتحويل وسائل الإنتاج المتمركزة، لملكية اجتماعية، و بالتخطيط المركزي، مع توزيع القوى العاملة في مختلف فروع الاقتصاد، و بالتوزيع المخطط  للمنتوج الاجتماعي، مع تشكيل روابط  الرقابة العمالية. و على أرضية هذه العلاقات الاقتصادية الجديدة تتطور قوى الإنتاج، أي الإنسان من جهة ووسائل الإنتاج من جهة أخرى، بمعدلات سريعة، حيث يتم تنظيم الإنتاج و معه المجتمع. مع تحقيق التراكم الاشتراكي، المترافق مع مستوى جديد للازدهار الاجتماعي.

إن المستوى الجديد يسمح بتوسيع تدريجي للعلاقات الجديدة ليشتمل، مباشرة في الإنتاج الاجتماعي، تلك القوى المنتجة التي اتصفت سابقاً بنقص نضوجها. في ظل التوسع المضطرد للشروط المادية اللازمة لإلغاء أي تمييز في توزيع المنتوج الاجتماعي بين العاملين، في الإنتاج الاجتماعي المباشر، و في الخدمات الاجتماعية، و من أجل تحقيق تقليص مستمر، لوقت العمل الضروري.

كما و تخطئ وجهة النظر القائلة أن التحول الاجتماعي الحقيقي يفترض إلغاء كامل التمييز بين العمل التنفيذي والإداري. أيضاً خاطئة هي الموضوعة القائلة بأن التملك الإجتماعي لوسائل الإنتاج أي (تحويلها إلى ملكية الدولة) من قبل ديكتاتورية البروليتاريا، هو أمر يختلف عن تحويلها لملكية اجتماعية. إن الموضوعات المذكورة تميل الى التشكيك في دور ديكتاتورية البروليتاريا بوصفها أداة للصراع الطبقي في يد البروليتاريا، التي لا تقتصر واجباتها على سحق نشاط البرجوازية المعادي للثورة، لكنها تتضطلع أيضا بواجب بناء العلاقات الجديدة الأساسي، وبواجب القضاء على كل الفوارق و التباينات الاجتماعية.

إن التحول الإجتماعي الاشتراكي، إضافةً لكامل تنظيم الاقتصاد والمجتمع، يجري من خلال دولة الطبقة العاملة، و بتوجيه من الحزب الشيوعي الذي يعتمد على حشد و تعبئة الجماهير الكادحة من جهة، وعلى الرقابة العمالية من جهة أخرى.

إن السيطرة الكاملة للعلاقات الشيوعية، والانتقال إلى الطورالأعلى للتشكيل الاجتماعي- الاقتصادي الجديد، يشترط  الإلغاء الكامل للطبقات. وهو أمر لا يتطلب فحسب الإقتصار على إلغاء الملكية الرأسمالية، بل يطال أيضا كل شكل من أشكال الملكية الخاصة والجماعية لوسائل الإنتاج والمنتوج الاجتماعي، إضافةً للقضاء التام على الفرق بين المدينة والريف، بين العمل اليدوي والفكري الذي يشكل أحد أعمق منابع التفاوت الاجتماعي، مع القضاء الكامل على مجمل التناقضات القومية.[4]

وفقا للقانون الاجتماعي العام القائل بتناسب علاقات الإنتاج مع مستوى تطور قوى الإنتاج، فإن أي مستوى تاريخي جديد يحققه أوليا البناء الإشتراكي، عبر تطويره  لقوى الإنتاج، يتطلب المتابعة في "تثوير"علاقات الإنتاج، إضافةً لتثوير سائر العلاقات الاقتصادية، و ذلك بهدف استكمال تحويلها إلى علاقات شيوعية عبر السياسة الثورية.

 فكما أثبتت التجربة العملية، فإن أي تأخير والأهم من ذلك أي تراجع، في تطوير العلاقات الاشتراكية يؤدي إلى إحتدام حدة التناقض بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج. وعلى هذا الأساس فإن التناقضات و التباينات الاجتماعية قد تتطور إلى صراعات، تقود لاحتدام الصراع الطبقي.

 تتصف الاشتراكية بوجود أساس موضوعي، يحتوي في ظل ظروف معينة، على إمكانية تحوُّلِ قوى اجتماعية عاملة، لتصبح حوامل محتملة لعلاقات استغلالية، كما حدث في الاتحاد السوفييتي في ثمانينات القرن الماضي.

6- إن تطور أسلوب الإنتاج الشيوعي في طوره الأول الاشتراكي، هو عملية الإلغاء النهائي لتوزيع المنتوج الاجتماعي بشكل بضاعي - مالي. فاسلوب الإنتاج الشيوعي حتى وفي مرحلته الغير ناضجة، هو عبارة عن إنتاج اجتماعي مباشر: حيث لا يجري تقسيم العمل من أجل التبادل، كما و لا يجري من خلال السوق، كما وأن منتجات العمل المخصصة للإستهلاك الفردي ليست بضاعةً.

إن تقسيم العمل في وسائل إنتاج المتملكة إجتماعياً، يستند على خطة  تنظم الإنتاج وتحدد أبعاده، هادفة  لتلبية الاحتياجات الاجتماعية المضطردة، وتوزيع المنتجات (قيم استعمالية)، وبعبارة أخرى، هي عبارة عن تقسيمٍ مخططٍ، مركزياً، للعمل الاجتماعي، يدمج مباشرة  وليس عن طريق السوق، العمل الفردي، باعتباره جزءاً من مجموع العمل الاجتماعي. كما يقوم التخطيط المركزي بتوزيع مجمل وقت العمل الإجتماعي، بشكل يمكن من تواجد قطاعات العمل المختلفة في نسبها الصحيحة، بهدف تلبية الاحتياجات الاجتماعية المختلفة.

يعبر التخطيط المركزي عن توصيف واعٍ لنسب الإنتاج والتوزيع، فضلا عن الجهود المبذولة الهادفة، لتنمية كامل جوانب كل القوى المنتجة. ولهذا السبب لا ينبغي أن يُفهم التخطيط المركزي، كأداة تقنية اقتصادية، بل كعلاقة إنتاج وتوزيع شيوعية، تربط العمال بوسائل الإنتاج من جهة، و بالمؤسسات الاشتراكية من جهة أخرى. كما ويتضمن المخطط اختياراً واعياً  لدوافع وأهداف الإنتاج، عبر استهدافه تلبية الاحتياجات الاجتماعية الموسعة (القانون الاقتصادي الأساسي لأسلوب الإنتاج الشيوعي). إن حتميات التخطيط المركزي لا تتطابق مع الخطط المتتالية، التي ينبغي أن تعكس بدورها و في كل خطة، بطريقة علمية، هذه النسب موضوعياً.

كما تتضمن مشاكل التخطيط المركزي مسألة تحديد الاحتياجات الاجتماعية، المعقدة، وخاصة في ظل ظروف تشويه الرأسمالية عالمياً لمفهوم الاحتياجات الاجتماعية، التي تُحدد في الواقع من منطلق مستوى تطور قوى الإنتاج، المُحقق في مرحلة تاريخية معينة.  أي أن  تفهُّم هذه الاحتياجات يأتي في سياقها التاريخي، باعتبارها متغيراً يتناسب مع تطور قوى الإنتاج، وبالمثل يجب أن يتطور أسلوب تحقيق القانون الأساسي للشيوعية، بهدف تجاوز القصور و التباين، بهدف تغطية الإحتياجات الإجتماعية.

7- إن السمة المميزة للطور الأول للعلاقات الشيوعية، هو توزيع جزء من المنتجات "وفقا للعمل". حيث احتدم نقاش سياسي و نظري حول قضية "معيار العمل"،  فتوزيع جزء من الإنتاج الاشتراكي "وفقا للعمل" (هو أمر يشبه من حيث الشكل، التبادل البضاعي[5]) هو نتيجة لبقايا إرث الرأسمالية،  الذي  لم يتمكن أسلوب الإنتاج الجديد من التخلص منه حتى الآن، بسبب عدم تطويره بشكل مناسب للطاقة الانتاجية البشرية و لوسائل الإنتاج من خلال استخدام واسع للتكنولوجيا الجديدة بالأبعاد الضرورية اللازمة. فإنتاجية العمل لا تسمح حتى الآن بتخفيض كبير و حاسم  لوقت العمل، وبإلغاء الأعمال الثقيلة دفعة واحدة، بشكل يُمكِّن من إلغاء القسرعلى العمل.

إن التوزيع المخطط لقوة العمل و وسائل الإنتاج ينطوي على توزيعٍ مخططٍ  للمنتوج الاجتماعي.  إن توزيع المنتوج الاجتماعي لا يمكن أن يتم من خلال السوق، استنادا إلى حتميات و تقسيمات التبادل البضاعي.  فوفقا لماركس، سيتغير أسلوب التوزيع عند تغيير الأسلوب الخاص للمنظومة الاجتماعية الإنتاجية، المطابق لمستوى تطور المنتجين التاريخي[6]، مما يعني ( إختلاف مستوى "المنتجين"في الاتحاد السوفييتي عام 1930، عن مستواهم أعوام  1950و 1960).

تحدد الماركسية بوضوح "وقت  العمل" كمقياس لمساهمة المُنتِجِ الفردية  في العمل المشترك. وبالتالي يُعتمد وقت العمل كمقياس للحصة التي يستحقها من المنتج المخصص للاستهلاك الفردي، والذي يتم توزيعه على أساس العمل [7]، جزء آخر من المنتج (التعليم والصحة والأدوية، والتدفئة) تُوزع  فعليا على أساس الاحتياجات. فإن المقصود "وقت العمل[8]" في ظل الاشتراكية ليس"وقت العمل الضروري اجتماعيا" الذي يشكل بالنسبة للإنتاج البضاعي مقياسا للقيمة في عملية "تداول البضائع"، بل يُقصد " وقت العمل"، مقياس المساهمة الفردي  في العمل الاجتماعي من أجل الناتج الإجمالي، كما يذكر ماركس في "رأس المال": "في ظروف الإنتاج المملوك اجتماعيا ينتهي توسُّط رأس المال المالي"، حيث يقوم المجتمع بتوزيع قوة العمل ووسائل الانتاج على مختلف فروع الإنتاج، فيمكن للمنتجين ،على سبيل المثال ، الحصول على قسائم متناسبة مع ساعات عملهم تخولهم للحصول على حصة من مخزون  المنتجات الاستهلاكية للمجتمع، فهذه القسائم ليست مالاً متداولا.[9]ً"

إن الحصول على ذلك الجزء من المنتوج الاجتماعي "الذي يتم توزيعه وفقا للعمل" يتم تحديده عبرمساهمة العمل الفردي لكل شخص في جملة العمل الاجتماعي، و ذلك دون التمييز بين العمل البسيط والمعقد والعمل اليدوي أو غيره. فمقياس مساهمة الفرد هو وقت العمل، الذي يحدد بدوره الخطة على أساس الاحتياجات الكلية للإنتاج الاجتماعي، التي تأخذ ضمن اعتباراتها الظروف المادية لعملية الإنتاج المتضمنة بدورها للعمل "الفردي"، إضافةً لاعتبارات الإنتاج الإجتماعي كتمركز القوة العاملة في مناطق و قطاعات معينة، واحتياجاته الخاصة، كالأمومة و ذوي الإحتياجات الخاصة الخ...، كما والموقف الفردي تجاه تنظيم و تنفيذ العملية الإنتاجية، حيث يجب أن ترتبط الأهداف الموضوعة بجدول زمني، و بتوفيرالمواد، وتطبيق تقنيات أكثر إنتاجية، تتميزبعقلانية أكثر في تنظيم العمل، وبممارسة التفتيش العمالي على الإدارة و التوجيه.

إن التطور المخطط لقوى الإنتاج في ظل أسلوب الإنتاج الشيوعي، يجب أن يحرر بشكل مضطَّرد  المزيد من وقت العمل، الذي ينبغي أن يُستخدم بدوره لرفع المستوى التعليمي-الثقافي للعمال، و من أجل مشاركة العمال في واجبات السلطة وإدارة الإنتاج، وما إلى ذلك، إن تطوير الإنسان المتكامل  كقوة منتجة في أثناء بناء نموذج المجتمع الجديد، والعلاقات الشيوعية (بما في ذلك الموقف الشيوعي تجاه العمل الاجتماعي المباشر) هي علاقة متبادلة، حيث يكتسب كل جانب أولوية تتناسب مع المرحلة التاريخية.

إن تطوير التخطيط المركزي، المترافق مع توسيع نطاق الملكية الاجتماعية في جميع المجالات، يحول المال تدريجيا "لزائدة" تفقد مضمونها كشكل من أشكال القيمة.

8- يتم تداول المنتوج الفردي والتعاوني، الآتي بشكل أساسي من الإنتاج الزراعي، عبرعلاقات بضاعية - مالية مع المنتج الاشتراكي، ويخضع الإنتاج التعاوني إلى حد ما للتخطيط المركزي، الذي يحدد جزء الانتاج المخصص للدولة و المُسعَّر من قبلها، و فضلا عن  وضعها للحد الأقصى لأسعار حصة الإنتاج المخصصة للسوق التعاونية.

إن التوجه الذي يخدم تحويل الإنتاج الزراعي بأكمله لجزء من الإنتاج الاجتماعي المباشر، وحسم التباين بين المدينة والريف، بين والإنتاج الزراعي الصناعي، يكون عبر: دمج الفلاحين - المنتجين في الاستثمار المشترك لمساحات كبيرة من الأراضي بهدف تحقيق منتوج اجتماعي مع استخدام المكننة الحديثة وغيرها من وسائل التقدم العلمي والتكنولوجي، التي تملكها وتقدمها الدولة الاشتراكية بهدف تعزيز إنتاجية العمل، وعبرإنشاء بنية تحتية قوية للحفاظ على المنتج من مخاطر الطقس الطارئة، كما و عبرإخضاع إنتاج المواد الخام الزراعية والصناعية للعمل الاجتماعي المباشر في إطار مؤسسات اشتراكية موحدة. 

ج- الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي. و أسباب انتصار الثورة المضادة

 

9-  إن سبب تركيزنا على تجربة الاتحاد السوفييتي، يكمن في تشكيله لطليعة البناء الاشتراكي.  كما نعتقد بضرورة المزيد من دراسة مسار الاشتراكية في بقية الدول الأوروبية، و أيضاً بضرورة دراسة مسارالسلطة الاشتراكية في بلدان آسيا )الصين، فيتنام، جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية)، وفي كوبا .

إن إثبات الطابع الاشتراكي للاتحاد السوفييتي يستند على ما يلي : إلغاء علاقات الإنتاج الرأسمالي، وجود الملكية الاشتراكية المُخضِعة للملكية التعاونية(على الرغم من كافة التناقضات)، التخطيط المركزي، السلطة العمالية إضافةً للمكاسب المحققة التي لم يسبق لها مثيل، العائدة بالفائدة على جميع الكادحين.

لا يمكن إنكار حقيقة الأمور المذكورة أعلاه، على الرغم من حقيقة فقدان الحزب تدريجياً و بعد فترة معينة لطابعه الثوري التوجيهي، أمر قاد بدوره لسيطرة قوى الثورة المضادة على الحزب و السلطة خلال ثمانينيات القرن الماضي.

إننا نصنف تطورات و أحداث  1989-1991 باعتبارها انتصارا للثورة المضادة.  التي شكلت آخر فصول العملية التي قادت لتعزيز الفوارق الاجتماعية من جهة، ولتعزيز قوى الثورة المضادة والرجعية الاجتماعية من جهة أخرى. كما و لم يكن دعم الرجعية العالمية للتطورات المذكورة، من قبيل الصدفة، حيث ركزت الإمبريالية العالمية و تتابع تركيز "نيرانها" الفكرية و السياسية، خصيصا على فترة إلغاء العلاقات الرأسمالية والتأسيس للاشتراكية، الممتدة حتى الحرب العالمية الثانية. كما و نرفض مصطلح "انهيار"، لأنه يقلل من أهمية نشاط  الثورة المضادة، و من قيمة القاعدة الاجتماعية الحاملة لها، و من إمكانية سيطرة الثورة المضادة كنتيجة لنقاط ضعف وانحرافات اتسم بها العامل الذاتي أثناء البناء الاشتراكي.

إن انتصار إنقلاب الثورة المضادة في الفترة 1989-1991 لا يثبت غياب  مرحلة تنمية مادية أساسية تشترط مباشرة البناء الاشتراكي في روسيا.

أشار ماركس أن البشرية تضع أمامها المشاكل التي يمكنها أن تحلها، لأن المشكلة نفسها تُطرح فقط كمشكلة بعد ولادة الشروط المادية لحلها. فمع بدء نضال الطبقة العاملة الممثلة لقوة الإنتاج الرئيسية، في تنفيذ مهمتها التاريخية، بل و مع اندلاع الثورة، تكون القوى المنتجة قد تطورت لتصل مستوى الصدام مع علاقات الإنتاج، أي مع أسلوب الإنتاج الرأسمالي، وبعبارة أخرى، فإن الشروط المادية للاشتراكية هي حاضرة، و فوق أساسها نشأت الظروف الثورية.

لقد اعتبر لينين والبلاشفة ان حل مشاكل التخلف النسبي في تطور قوى الإنتاج ("المستوى الثقافي")، لن يتم  عِبر أي سلطة "وسيطة" توجد بين السلطة البرجوازية و البروليتارية، بل سيتم حلها من قبل ديكتاتورية البروليتاريا[10].

فاستناداً إلى البيانات الإحصائية، التي تشير لسيطرة علاقات الإنتاج الرأسمالي في مرحلتها الاحتكارية في  روسيا في تلك الفترة، حيث استندت السلطة الثورية على هذا الأساس المادي، لتحقيق التملُّك الإجتماعي لوسائل الإنتاج المتمركزة[11]، فقامت الطبقة العاملة في روسيا، ولا سيما عمال الصناعة بتأسيس المجالس "السوفييت" بوصفها نواة تنظيمية للعمل الثوري، بتوجيه من الحزب الشيوعي (البلشفي)، في الكفاح من أجل السلطة، هذا و كان الحزب البلشفي وتحت قيادة لينين، قد قام بالإعداد للثورة الاشتراكية من الناحية النظرية : عبرتحليل المجتمع الروسي، ونظرية الحلقة الضعيفة في سلسلة الإمبريالية، وتقييم الحالة الثورية، ونظرية ديكتاتورية البروليتاريا، حيث أظهر قدرة مميزة لخدمة استراتيجيته عبر مقابلته  لكل مرحلة من مراحل تطور الصراع الطبقي، بالتكتيكات : التحالفات والشعارات والمناورات ، الخ.

ومع ذلك، فقد واجهت الاشتراكية صعوبات إضافية خاصة، ويرجع ذلك إلى حقيقة أن بناء الاشتراكية بدأ في بلد يتسم بانخفاض مستوى تطور قوى الإنتاج (متوسط- ضعيف، وفقاً لتوصيف لينين لها) بالمقارنة مع البلدان الرأسمالية المتطورة[12]،  و بدرجة كبيرة من التفاوت في التنمية، نظرا لبقاء العلاقات "ما قبل الرأسمالية" على نطاق واسع، لا سيما في مستعمرات الإمبراطورية القيصرية السابقة في آسيا. هذا و بدأ بناء الاشتراكية في أعقاب الدمار الهائل الناتج عن الحرب العالمية الأولى، وفي خضم ظروف الحرب الأهلية، حيث واجه في مساره أيضاًعواقب الدمار الهائل للحرب العالمية الثانية، و على عكس ذلك فإن القوى الرأسمالية، كالولايات المتحدة الأمريكية، لم تشهد حرباً داخل حدودها، بل في المقابل، تمكنت عبر الحرب من تجاوز الأزمة الاقتصادية الكبرى في ثلاثينيات القرن الماضي.

هذا و تثبت التنمية الاقتصادية والاجتماعية الضخمة المحققة في ظل الظروف المذكورة، تفوق علاقات الإنتاج الشيوعية، حتى في طور نموها الأولي.

 إن التطورات لا تثبت صحة عدد من التقييمات الانتهازية و البورجوازية الصغيرة. كما و تنفي وجهات نظر  الإشتراكيين الديمقراطيين، المدَّعية بعدم النضج الاجتماعي للثورة الاشتراكية في روسيا، كما و لم تُثبت صحة  مواقف التروتسكيين المدعية باستحالة بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي. كما تفتقد  للإثباتات و الحجج أيضاً، وجهات النظر القائلة، بأن المجتمع الذي نشأ في أعقاب ثورة أكتوبر لم يكن ذا طابع اشتراكي، أو الزاعمة بأنه تدهور بسرعة بعد سنواته الأولى، أمر أدى حتمياً بدوره لإيقاف 70 عاماً من تاريخ الاتحاد السوفييتي.

كما و نرفض نظريات مختلف التيارات الانتهازية، المُدَّعية أن هذه المجتمعات كانت ضرباً من "نظام جديد للاستغلال"أو شكلا من أشكال "رأسمالية الدولة".

وعلاوة على ذلك، فإن  التطورات لا تثبت صحة موقف" التيارالماوي" العام، تجاه بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي، و وصفه  للاتحاد السوفييتي ب"اشتراكي- امبريالي"، إضافةً لتقارب الصين مع الولايات المتحدة الأمريكية، فضلا عن الإنحراف في مسائل بناء الاشتراكية في الصين (على سبيل المثال الاعتراف بالبرجوازية الوطنية كحليف في بناء الاشتراكية، وغيرها).

إن تقييمنا النقدي يجري أثناء دفاعنا المضمون و المؤكد عن البناء الاشتراكي في الإتحاد السوفييتي وفي البلدان الأخرى.

10-  إن الثورة المضادة في الاتحاد السوفييتي، لم تأتي نتيجة تدخل عسكري إمبريالي، بل أتت من الداخل ومن الأعلى، وذلك كنتيجة لطفرة انتهازية في الحزب الشيوعي وللتوجه السياسي للسلطة السوفييتية. إننا كحزب مع إعطاء الأولوية للعوامل الداخلية، أي إلى الظروف الاجتماعية-الاقتصادية، التى تعيد بدورها إنتاج الانتهازية على أرضية البناء الاشتراكي. و ذلك بالطبع من دون الإستهانة  بتأثير تدخل الإمبريالية المتعدد الأوجه، و الطويل الأمد، في تغذية الانتهازية وتحويلها لقوة ثورة مضادة.

وفي استنادنا إلى نظرية الشيوعية العلمية وضعنا دراسة اعتمدت المحاور التالية  :

·        الاقتصاد، و نقصد بذلك، تطورات علاقات الإنتاج والتوزيع خلال عملية وضع قاعدة بناء الاشتراكية، و خلال مسار تنمية الإشتراكية، وهو مجال ظهور و حل التناقضات و الفروق الاجتماعية .

·         كيفية عمل ديكتاتورية البروليتاريا في ظروف الإشتراكية، باعتبارها طور الشيوعية الأدنى، ودور الحزب الشيوعي.

·        استراتيجية الحركة الشيوعية العالمية وتطوراتها .

11- إن تحديد المسار نحو بناء المجتمع الجديد في الاتحاد السوفييتي، كان نتيجة قدرة الحزب الشيوعي البلشفي على الوفاء بدوره الثوري القيادي. و أولا وقبل كل شيء، نتيجة قيامه بمعالجة وصياغة الاستراتيجية الثورية المطلوبة في كل خطوة، ومواجهته للانتهازية، وتقديمه  لرد حاسم على كافة المطالب الجديدة والتحديات الناشئة، التي تواجهها الاشتراكية-الشيوعية أثناء تطورها.

استمر تشكيل الأسس لتنمية المجتمع الجديد و الصراع الطبقي بنجاح، حتى الحرب العالمية الثانية، أمر أدى إلى إلغاء العلاقات الرأسمالية و لسيطرة قطاع الإنتاج الممتلك اجتماعيا على أساس التخطيط المركزي، حيث حُققت نتائج رائعة من ناحية نمو الرخاء الاجتماعي.

بعد الحرب العالمية الثانية و إعادة الإعمار التي تبعتها، دخل البناء الاشتراكي مرحلة جديدة، حيث واجه الحزب مطالب وتحديات جديدة، تتعلق بتطويرالاشتراكية - الشيوعية. هذا و يبرز المؤتمر ا20 للحزب الشيوعي السوفييتي عام(1956)، بوصفه نقطة تحول، تم خلالها  تبنِّي سلسلة من المواقف الانتهازية المتعلقة بمسائل الاقتصاد، وباستراتيجية الحركة الشيوعية العالمية وبالعلاقات الدولية. حيث تغير ميزان القوى في النضال الشامل لكامل الفترة السابقة، عبر الإنعطاف لصالح المواقف التحريفية - الانتهازية،  أمر نتج عنه فقدان الحزب التدريجي لسماته الثورية.  في الثمانينات، و عبر البيريسترويكا تكاملت مواصفات الانتهازية الخائنة لتشكل قوة الثورة المضادة. هذا و لم تتمكن قوى الشيوعية الصادقة في آخر مراحل الخيانة و أثناء المؤتمر ا28، من كشف الخيانة وتنظيم رد فعل الطبقة العاملة الثوري بشكل ناجز.

تقييمات حول الاقتصاد خلال مسار بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي

12- بمجرد صياغة أول برنامج للتخطيط المركزي، تم طرح الأسئلة : هل الإنتاج الاشتراكي  إنتاج بضاعي؟  و ما هو دور قانون القيمة، و دور العلاقات البضاعية - المالية في إطار البناء الاشتراكي؟. في مركز النقاشات الفكرية و الصراع السياسي.

فالنهج النظري الخاطئ القائل  بأن قانون القيمة هو قانون حركة أسلوب الإنتاج الشيوعي، خلال طوره  الأول (الاشتراكي)، و هو النهج السائد منذ وسط خمسينات القرن الماضي، في الإتحاد السوفييتي وفي غالبية الأحزاب الشيوعية، و هو نهج قد عُزِّزَ نتيجة لاستبقاء والحفاظ على العلاقات البضاعية - المالية، خلال الفترة الانتقالية المخطط لها، للإنتقال من الإنتاج الفردي إلى الإنتاج التعاوني.  حيث أثقلت فوق الأرضية المذكورة القصورات النظرية والضعف السياسي تباعاً، صياغة وتنفيذ التخطيط المركزي . كما زادت السياسة الانتهازية خلال العقود اللاحقة، من إضعاف التخطيط المركزي، عبر إفساد الملكية الاجتماعية، وتعزيز قوى الثورة المضادة

13- إن المشكلة الرئيسية الأولية التي واجهت بناء الاشتراكية، أثناء الفترة الأولى الممتدة حتى الحرب العالمية الثانية، تمثلت في القضاء على الملكية الرأسمالية، والتعامل بأسلوب مخطط مع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الموروثة من الرأسمالية، و المتفاقمة نتيجة الحصار و التدخل الإمبريالي.هذا و كانت السلطة السوفييتية قد تمكنت أثناء الفترة المذكورة من خفض التفاوت العميق الذي ورثته الثورة من الامبراطورية القيصرية بشكل كبير.

خلال فترة 1917-1940 حققت السلطة السوفيتية نجاحات.عامةً  عبر الكهربة والتصنيع، والتوسع في وسائل النقل، ومكننة جزء كبير من الإنتاج الزراعي. بدأت بتنفيذ إنتاج  مخطط، وحققت معدلات مثيرة للإعجاب في مجال نمو الإنتاج الصناعي الاشتراكي.  كما انها نجحت في تطوير القدرات الإنتاجية المحلية في جميع الفروع الصناعية.  و تم إنشاء التعاونيات الإنتاجية (الكولخوزات)، ومزارع الدولة (السوفوخوزات)، وبهذه الطريقة وُضعت أسس توسيع وسيادة العلاقات الاشتراكية في الإنتاج الزراعي، كما وحُققت "الثورة الثقافية " ،حيث  بدأت تنشئة و تشكيل جيل جديد من الأخصائيين والعلماء الشيوعيين. والأهم هو تحقيق إلغاء كافة علاقات الإنتاج الرأسمالي، مع إلغاء إستئجار قوة العمل، وبالتالي جرى وضع الأساس للتشكيل الاجتماعي-الاقتصادي الجديد. 

14- إن تنفيذ بعض "التدابير الانتقالية"، في ضمن التوجه نحو الإلغاء الكامل للعلاقات الرأسمالية، كان أمراً لا يمكن تجنبه في بلد مثل روسيا في فترة 1917-1921.

إن العوامل التي أجبرت الحزب الشيوعي البلشفي لتطبيق  محدود و مؤقت لسياسة المحافظة على علاقات الإنتاج الرأسمالية، كانت: التركيب الطبقي، حيث التفوق العددي للبرجوازية الصغيرة الزراعية، و غياب آلية التوزيع، و التموين و الرقابة، و إتساع رقعة الإنتاج الصغير المتخلف و بشكل أساسي تدهور مأساوي لظروف التغذية والمعيشة، الناتج عن الدمار الذي سببته الحرب الأهلية والتدخل الإمبريالي. كل هذه العوامل صعَّبت من التخطيط المركزي دافعة به نحو أفق متوسط الأجل.

كما واستهدفت سياسة التنازلات المؤقتة للرأسمالية، المعروفة بالسياسة الاقتصادية الجديدة (النيب)، التي نُفذت في أعقاب الحرب الأهلية، بشكل أساسي استنهاض الصناعة من دمار الحرب الذي طالها، وعلى هذا الأساس تشكيل علاقات مع الإنتاج الزراعي، التي من شأنها أن "تجذب" المزارعين نحو التعاونيات. كما تم تقديم عدد من المشاريع للرأسماليين لاستخدامها (مع عدم وجود حق ملكيتهم لها)، وتمت تنمية التجارة، و وضعت معايير التداول بين الإنتاج الزراعي و بين الصناعة المملوكة اجتماعيا، حيث نُظمت على أساس "الضريبة العينية" كما و مُنح الفلاحون إمكانية عرضهم لحصتهم المتبقية من انتاجهم الزراعي، في السوق.

لا تكتسب المناورات والتنازلات المؤقتة في وجه العلاقات الرأسمالية، التي تفرضها ظروف معينة، و خاصة أثناء عملية البناء الاشتراكي، طابع الضرورة الحتمية.  كما كان استخدام قيادة الحزب الشيوعي السوفييتي (النيب) كحجة، تجاوزاً فاضحاً، خلال ثمانينات القرن الماضي ، لتبرير البيريسترويكا وانعطافها نحو الملكية الخاصة والعلاقات الرأسمالية.

15- إن المرحلة الجديدة من تطور القوى المنتجة في نهاية عشرينيات القرن الماضي، سمحت باستبدال (النيب) بسياسة "هجوم الاشتراكية ضد الرأسمالية"، التي استهدفت إلغاء كافة العلاقات الرأسمالية. حيث رفضت تقديم  التنازلات للرأسماليين و نمَّت سياسة التحويل التعاوني، و هو استكمال التنظيم التعاوني في شكله المتطور (كولخوز)  للاقتصاد الزراعي بصورة  أساسية[13].  كما و ترافق ذلك (بشكل محدود نسبياً) مع ظهور السوفوخوزات أي مؤسسات الدولة الإشتراكية  في الإنتاج الزراعي التي كانت تستند إلى مكننة الانتاج، حيث شكل منتجها و بكامله ملكية اجتماعية.

هذا وبدأت الخطة الخمسية الأولى في عام 1928، أي 7 سنوات بعد انتصار الثورة (انتهت الحرب الأهلية عام 1921). حيث واجهت السلطة السوفييتية صعوبة في وضع خطة مركزية للاقتصاد الاشتراكي منذ البداية، ويرجع ذلك أساسا إلى استمرار وجود العلاقات الرأسمالية (النيب)، و لوجود عدد كبير من المنتجين الفرديين، و بصورة أساسية الفلاحين، كما و اتصف العامل الذاتي أي الحزب بوجود نقاط ضعف، تجسدت بغياب كادر متخصص لتوجيه وتنظيم الانتاج، وبالتالي اضطر لفترة معينة للإعتماد الحصري تقريبا على الإختصاصيين البرجوازيين.

كما و قامت شروط  معينة ( الحصارالامبريالي، تهديد الحرب المترافق مع تخلف كبير) بفرض تسريع و دفع وتائر التحول التعاوني، أمر  زاد بدوره من حدة الصراع الطبقي، لا سيما في الريف، نتج عنه طبعا أخطاء وتجاوزات بيروقراطية أثناء تطور حركة التعاونيات في الإنتاج الزراعي، والتي كانت قرارات الحزب قد أشارت لها من قبل، أثناء تلك الفترة[14]. ومع ذلك، فتوجه السلطة السوفييتيية نحو تعزيز وتعميم هذه الحركة كانت في الاتجاه الصحيح.  حيث هدفت إلى تطوير شكل انتقالي للملكية (التعاونية) التي كان من شأنها أن تسهم في تحويل الإنتاج الصغير الفردي البضاعي، لإنتاج اجتماعي مباشر.

16-  إن تنفيذ سياسة "هجوم الاشتراكية ضد الرأسمالية" تم في ظل ظروف الصراع الطبقي المحتدم. حيث قام الكولاك (الطبقة البرجوازية في الريف)، مع الشرائح الاجتماعية التي استفادت من السياسة الاقتصادية الجديدة(النيب)،  و أجزاء الإنتلجنسيا ذات الأصول الطبقية الاستغلالية القديمة، بردود فعل رجعية متعددة  الطرق، بما في ذلك أعمال التخريب الممارسة ضد الصناعة (على سبيل المثال قضية "شاهتينسك[15]")  وأنشطة الثورة المضادة في الريف، كما و كانت للمصالح الطبقية المعادية للاشتراكية انعكاساتها داخل الحزب الشيوعي،  حيث تشكلت التيارات الانتهازية.

هذا و اتفق كلا خطي توجهات"المعارضة" الأساسية التي نشطت تلك الفترة (تروتسكي - بوخارين)، على قاعدة مشتركة تتجلى في تضخيمها لعناصر التخلف "بوصفه مطلقاً" في المجتمع السوفييتي. كما و تقاربت وجهات نظرهم خلال الثلاثينيات، نحو الموضوعة القائلة بأن التغلب على العلاقات الرأسمالية في الإتحاد السوفييتي و تجاوزها كان سابقا لأوانه "لم يكن ناضجا بعد". حيث  رفض الحزب الشيوعي الروسي (البلشفي) وجهات النظر و الموضوعة المذكورة، كما و لم يثبت الواقع حقيقتها بل نقيضها.

كما يُذكر أن العديد من قوى الانتهازية و على مدى مسار البناء الإشتراكي، أجرت ارتباطات علنية مع قوى الثورة المضادة، التي كانت قد نظمت خططاً استهدفت الاطاحة بالسلطة السوفييتية في تعاون مع اجهزة استخبارات  البلدان الامبريالية.

كما و فرضت الظروف السائدة وقتها، مواجهة المراكز المذكورة بشكل فوري حاسم، جرى عبر محاكمات أعوام 1936 و 1937، التي كشفت مؤامرات مع عناصر في الجيش ( قضية توخاسِفسكي، الذي أعيد اعتباره بعد المؤتمر ال 20 للحزب الشيوعي السوفييتي!)، و ايضاً مع اجهزة استخبارات دول أجنبية، لا سيما الألمانية منها.

إن أمر تصدُّر بعض الكوادر القيادية للحزب والسلطة السوفييتية، للتيارات الانتهازية، يثبت إمكانية احتمال انحراف الكادر الطليعي، و خضوعه كنتيجة لاحتدام الصراع الطبقي، انحراف يصل ليقطع في النهاية علاقاته مع الحركة الشيوعية، و للعبور و الإصطفاف مع الثورة المضادة.

17- شهدت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، احتدام النقاش المتعلق بحتميات قوانين الاقتصاد الاشتراكي، الذي  كان قد هدأ بسبب الحرب. وبغرض تفسير و بحث المشاكل المذكورة[16]، احتدم النقاش  بين تيارين أساسيين على الصعيد السياسي والنظري، أي بين "السوقيين" و مناهضيهم، حيث انخرط في النقاش اقتصاديون وكوادر حزبية .

قام يوسف ستالين بصفته أميناً عاماً للجنة المركزية للحزب، عبر تصدُّرِهِ لطليعة معارضي توجه السوق خلال المناقشة التي نُظِّمت داخل الحزب، و من خلال مساهمته في صياغة التوجهات السياسية المناسبة، فعلى سبيل المثال: دمج الكولخوزات، وحل  "المؤسسات المساعدة"  (كإنتاج مواد البناء) في الكولخوزات، كما و قام ستالين بالتصدي للتيار الداعي لتعزيز العلاقات البضاعية - المالية[17]، رافضا اقتراحات، كتسليم وسائل الإنتاج الممكننة للكولخوزات،  و باقراره  بأن الإنتاج الاشتراكي ليس إنتاجاً بضاعياً، وبالتالي، فان  قانون القيمة لا يتماشى مع قوانين الإنتاج الاشتراكي الأساسية. كما  وسلط الضوء على دور التخطيط المركزي في الاقتصاد الاشتراكي. وقال إن وسائل الإنتاج ليست ببضاعة، و ذلك على الرغم من ظهورها "كبضاعة، شكلياً و ليس من حيث المضمون"فهي تصبح بضاعة، فقط من خلال التجارة الخارجية[18]. كما واعترف أيضا، بأن جذور تأثير قانون القيمة (أي العلاقات البضاعية - المالية) في الاتحاد السوفييتي، تعود للملكية التعاونية والفردية للإنتاج الزراعي، وبأن قانون القيمة لا يتحكم بمجمل الانتاج و التوزيع الاشتراكي.

كما و قام ستالين بنقد حربي تجاه كل من الاقتصاديين "السوقيين" والقادة السياسيين، القائلين بأن قانون القيمة هو القانون العام الناظم للاقتصاد الاشتراكي.  كما و قام بتوجيه انتقادات صائبة، ضد أولئك الاقتصاديين، المؤيدين  للإلغاء الكامل للتوزيع بالشكل المالي، لتجاهلهم للقيود الموضوعية، المفروضة من قبل قاعدة المجتمع الانتاجية. 

كما و اتسم هذا النهج بنقطة ضعف، عند اعتباره بأن إنتاج المنتجات الإستهلاكية و توزيعها يكون على أساس اعتبارها بضاعة[19].  لقد كانت هذه الموضوعة صحيحة فقط بما يتعلق بمنتجات الإنتاج الاشتراكية المخصصة  للتجارة الخارجية، و فيما يتعلق  بتبادل المنتجات بين الصناعة الاشتراكية و بين الإنتاج التعاوني و الفردي، وكانت غير صحيحة عند تطرقها لمنتجات الإنتاج الاشتراكي الاستهلاكية، التي و على الرغم من عدم توزيعها مجاناً، فهي لا تشكل بضاعة.

 صحيحة كانت تقديرات النهج  المذكور القائلة بأن الملكية التعاونية (الكولخوزات) و تداول المنتجات المخصصة  للاستهلاك الفردي بشكل بضاعة، أصبحت بمثابة فرامل تكبح التطور القوي للقوى المنتجة، لأنها تعيق التطور الكامل للتخطيط المركزي و شموله لكامل مساحة الإنتاج- التوزيع.

كما و أظهر أوجه الإختلاف بين كلا الطبقتين المتعاونتين، أي بين الطبقة العاملة والطبقة التعاونية "الكولخوزية" الفلاحية، مظهراً ضرورة إلغائهن من خلال الإلغاء المخطط "للبضائعية" في الإنتاج الزراعي و من خلال تحويل الكولخوزات لملكية اجتماعية[20].

في بداية خمسينات القرن الماضي، كان تقدير القيادة السوفييتية صحيحاً، بأن المشاكل على صعيد الإقتصاد، كانت تعبيراً عن احتداد التناقض بين قوى الإنتاج المتطورة باضطراد و بين علاقات الإنتاج المتأخرة. حيث كانت القوى المنتجة قد وصلت إلى مستوى جديد بعد اعادة الاعمار التي تلت الحرب. فالدفع نحو مزيد من تطويرالقوى المنتجة الديناميكي كان يتطلب تعميق وتوسيع نطاق العلاقات (الشيوعية الغير ناضجة). فالتأخر المذكور كان متعلقا : بالتخطيط المركزي، وبتعميق الطابع الشيوعي لعلاقات التوزيع، و بالمشاركة العمالية الأكثر نشاطا و وعيا في تنظيم العمل و ممارسة الرقابة على ادارته من الأدنى نحو الأعلى، والقضاء على جميع أشكال  الإنتاج الفردي البضاعي، مع ضم أكثر التعاونيات تطوراً، إلى الإنتاج الاجتماعي المباشر.

كانت الضرورة قد نضجت، من ناحية الاستعداد النظري والسياسي أي عن وعي، و قد خُطط لها بشكل جيد، لسيطرة العلاقات الشيوعية على نطاق أوسع في مجالات الإنتاج الاجتماعي المعينة، حيث لم تكن سيطرتها ممكنة (من وجهة نظر النضوج المادي و من ناحية إنتاجية العمل).

إن نضوج توسيع العلاقات الشيوعية في الإنتاج الزراعي تتعلق إلى حد كبير، بقدرة الصناعة على تزويدها بالآلات اللازمة، وعلى قدرة التخطيط المركزي على تنفيذ مشاريع تعمل على تحسين الانتاجية الزراعية، وحمايتها من الكوارث المناخية، الخ... وعلى الرغم من حقيقة أمرعدم زوال التفاوتات، في الإتحاد السوفييتي حتى أوائل الخمسينات، إلا أن شروطاً هامة تتعلق بالبنية التحتية و المكننة كانت قد حُققت، و التي كان بإمكانها إعطاء دفع نحو الاتجاه المذكور. هذا و ذكر تقرير عمل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي (البلشفي) نحو المؤتمر الحزب اﻠ19 عدداً من المعطيات التي تثبت الإستنتاج السابق: حيث ذكر وجود 8939 محطات آليات و جرارات وزيادة قوة الجرارات بنسبة 59 ٪ بالمقارنة مع مستوى ما قبل الحرب، إضافةً لتحقيق مشاريع الري واستصلاح الأراضي خلال فترة اعادة الاعمار ما بعد الحرب، و المتابعة في دمج بين الكولخوزات ضمن وحدات أكبر، ففي عام 1950 بلغ عددها 254000 ليبلغ عددها بعد عمليات الدمج 97000 عام 1952.[21] و على رغم ذلك بقيت هناك كولخوزات صغيرة[22] ، توُجب دمجها في نطاق أكبر، ضمن توجُّه التملك الإجتماعي للإنتاج الزراعي، وفقاً لتوجيه الحزب الشيوعي (البلشفي). تم وضع هدف استبعاد فائض الانتاج التعاوني من التداول البضاعي، عبر تحويله نحو نظام التبادل بين قطاع الدولة الصناعي وبين الإنتاج التعاوني. كذلك، بدأ نقاش حول احتمال إنشاء هيئة اقتصادية موحدة، من شأنها أن تسهم في التوصل إلى إنشاء "القطاع الإنتاجي الشامل" الذي سيكون مسؤولاً عن توزيع  كامل المنتجات الاستهلاكية.

كما و كانت جبهة قيادة الحزب والدولة واضحة، تجاه مسألة الصراع المتعلق بالنسب بين "التقسيم الثانوي- أو الشعبة"الأولى  للإنتاج الاجتماعي (أي إنتاج وسائل الإنتاج) و بين الثانية (إنتاج المنتجات الإستهلاكية). حيث كان دعم القيادة لضرورة تفوق "التقسيم الثانوي الأول" ضمن التخطيط النسبي لتوزيع العمل و الإنتاج بين مختلف فروع  الصناعة الاشتراكية. فعلى "التقسيم الثانوي الأول" للإنتاج يعتمد الإنتاج الموسع، والتراكم الاشتراكي (للثروة الاجتماعية)، أمر ضروري لتوسيع الرفاه الاجتماعي المستقبلي.
إن المواقف والتوجهات الصحيحة لكل من ستالين و "الإقتصاديين الضد سوقيين" و الكوادر الحزبية، لم تتوصلِ لتشكيل معالجة نظرية شاملة وخط سياسي موازٍ، قادر على مجابهة الموضوعات النظرية "السوقية" و الخيارات السياسية النامية المنبثقة عنها، حيث ساهمت في ذلك الضغوط الاجتماعية القوية، والتناقضات، وأوجه القصور، إضافةً للتذبذبات التي اتصف بها تيار "الضد سوقيين".

18-  كان الصراع الفكري و السياسي داخل الحزب بداية الخمسينات، تعبيراً عن المقاومة الاجتماعية لكل من (الفلاحين التعاونيين، كوادر إدارة الإقتصاد الزراعي و الصناعي) في وجه ضرورة توسيع وتعميق علاقات الإنتاج الاشتراكية.  إن احتدام الصراع أدى بنتيجته، إلى القبول النظري لقانون القيمة كقانون للاشتراكية، الذي شكَّل بدوره بداية لخيارات سياسية، ذات تأثير مباشر أشد، على مسار التطور الاشتراكي بالمقارنة مع فترة ما قبل الحرب، حيث خفف التخلف المادي حينها، من تأثير و ضرر هذه الموضوعات النظرية. هذا و كانت قرارات المؤتمر اﻟ20 للحزب الشيوعي السوفييتي تعبيراً عن المواقف السياسية للقوى المذكورة، حيث شكَّل المؤتمر المذكور، هيمنةً  للإنحراف الانتهازي اليميني، حيث اعتُمدت تدريجيا خيارات سياسية التي وسَّعت نطاق العلاقات البضاعية-المالية (المُحتمل تطورها لعلاقات رأسمالية)، تحت حجة تصحيح أوجه القصور في التخطيط المركزي و في إدارة وحدات الانتاج الإشتراكية.

كما واستُخدمت لحل المشاكل التي ظهرت في الاقتصاد، حلول و أساليب، وأدوات تنتمي إلى الماضي. فمن خلال تعزيز سياسة "السوق"، وعوضاً عن تعزيز و دعم الملكية الاجتماعية والتخطيط المركزي، و توحيد تجانس الطبقة العاملة (من خلال توسيع القدرات والإمكانات من ناحية تعدد الإختصاصية، و التبادل  في التوزيع التقني للعمل)، والمشاركة العمالية في تنظيم العمل، والرقابة العمالية من  الأدنى إلى أعلى. كان هناك تراجع و نمو لوتيرة معاكسة على مستوى الأصعدة المذكورة. و في ضوء هذه الخلفية انخفض تدريجيا مستوى الوعي الاجتماعي. كما ضاعت التجربة السابقة وكفاءة السوفييتات الصناعية، و الحركة الستاخانوفية لمراقبة الجودة، وفي كفاءة التنظيم والإدارة، وفي براءات الاختراع لتوفير المواد ووقت العمل إلخ....
كما و قام الإقتصاديون "السوقيون" (ليبرمان، نِمجينوف، ترابِزنيكوف) بتفسير  مخطئ للمشاكل الاقتصادية الموجودة، ليس على أساس كونها نقاط ضعف ذاتية في  التخطيط[23]، ولكن كنتائج لنقاط ضعف موضوعية  للتخطيط المركزي تتجلى في عجزه عن التجاوب مع نمو في حجم الإنتاج، و مع تنوع القطاعات و مع تنوع المنتجات الملبية للاحتياجات الاجتماعية الجديدة.

كما زعموا أن السبب النظري، تجلى في سيطرة "إرادة رفض الطابع البضاعي للإنتاج" في ظل الاشتراكية، إضافةً لعدم الإهتمام بتطوير الزراعة، والمبالغة في تقدير امكانية التدخل الذاتي في إدارة الاقتصاد.
كما و زعموا أيضاً بعدم قدرة الهيئات المركزية على  تحديد درجة الجودة، والتقنية، وأسعار كافة البضائع، و الأجور، و بوجوب استخدام آليات السوق لتحقيق أهداف الاقتصاد المخطط.

و بهذا الشكل هيمنت نظريات "الإنتاج الاشتراكي البضاعي" أو "اشتراكية السوق "، و قبول  مقولة أن قانون القيمة هو قانون طور الإنتاج الاشتراكي ( باكورة الطور الشيوعي) و هو "ساري المفعول" أثناء التنمية الاشتراكية. حيث  شكلت النظريات المذكورة أساسا لتشكيل السياسة الاقتصادية.[24]

19- ارتفعت وتيرة تطبيق سياسة إضعاف التخطيط المركزي والملكية الاجتماعية، بعد المؤتمر ال 20. فتم إلغاء  الوزارات القطاعية، المديرة للانتاج الصناعي في جميع أنحاء الإتحاد السوفييتي، وعلى مستوى الجمهوريات عام 1957، حيث أنشأت هيئات إدارة إقليمية (سوفناخوز) و بهذا الشكل تم  إضعاف إدارة التخطيط المركزي.[25] و بدلا من تحويل الكولخوزات المخطط  لسوفوخوزات، أي البدء المخطط أساسا لإنتقال كل الإنتاج التعاوني نحو يد الدولة، تم عام 1958 نقل ملكية الجرارات وغيرها من الآليات[26] لملكية  تعاونية (كولخوزية[27])، و هي موضوعة كانت قد رُفضت في السابق. لم تقتصر عواقب التغييرات المذكورة على عجزها عن حل المشاكل فقط، بل و أكثر  من ذلك أدت إلى إظهار أو خلق مشاكل جديدة، كالنقص في الأعلاف، وانخفاض مستوى التجديد التقني للكولخوزات.

وفي منتصف الستينات حُددت أسباب المشاكل، على أنها أخطاء متعلقة بالطابع الذاتي لتوجيه قطاع الإقتصاد الزراعي[28]. حيث اشتملت الإصلاحات على : تقليل كمية المنتجات المُسلَّمة من الكولخوزات للدولة[29]، إمكانية   بيع الكمية الزائدة من الإنتاج بأسعار مرتفعة، إلغاء القيود المفروضة على التجارة بين الوحدات الريفية الفردية وعلى ضريبة الملكية الفردية للحيوانات. تم شطب ديون الكولخوزات عبر قروض من بنك الدولة، تم تمديد مُهَل  سداد الديون عِبر السلف النقدية،  ُسمح ببيع الإعلاف مباشرة لمالكي الحيوانات. و بهذا الشكل تم الحفاظ و تعزيز نسبة الإنتاج الزراعي التي كانت تُباع بشكل حر في السوق، والتي تأتي من الأسر الريفية الفردية والكولخوزات[30]، لكن النقص في الإنتاج الحيواني ازداد، ونما  التفاوت على مستوى أقاليم و جمهوريات الإتحاد السوفييتي، في تغطية الاحتياجات في مجال المنتجات الزراعية بين المناطق و الجمهوريات.
كما و كانت "اصلاحات كوسيغين" المعروفة المماثلة، قد عملت على تعزيز الطابع البضاعي، على حساب الطابع الاجتماعي المباشر[31]، كما و تم اتباعها في الصناعة ("نظام إدارة ذاتية" فعلياً و ليس شكليا). حيث زعموا مواجهتهم بهذا الأسلوب لانخفاض معدل النمو السنوي في إنتاجية العمل والإنتاج السنوي الصناعي، أي الإنخفاض الواقع خلال أوائل الستينات، و الذي كان نتيجة إجراءات تقويض التخطيط المركزي و في توجيه قطاعات الصناعة (سوفنارخوز-1957).

بدأت الموجة الأولى من الإصلاحات في الفترة ما بين المؤتمر اﻠ23 عام (1966) و اﻟ24 عام(1971). وبموجب النظام الجديد،  لن يتم حساب مكافأت المدراء (بريم) على أساس تجاوز خطة حجم الإنتاج،[32] ولكن على أساس تجاوز تغطية خطة المبيعات، أي أنه سيعتمد على معدل ربح المؤسسة. كما وأن جزءاً من مكافآت العمال كان يأتي من الأرباح المذكورة، فضلا عن توسع تلبية الاحتياجات السكنية، الخ.... و هكذا تم  اعتماد الربح كحافز مُحرِّكٍ للإنتاج، و تعمق التباين في أجر العمل. و أُعطيت الإمكانية للمؤسسات للقيام بتداولات بضاعية - مالية فيما بينها بشكل أفقي، و أيضاً إمكانية عقدها لاتفاقات مباشرة مع "وحدات استهلاكية ومؤسسات تجارية"، و إمكانية تحديدها للأسعار، وتحقيقها للربح على أساس المعاملات المذكورة، إلخ....حيث كانت الخطة المركزية تقوم بتحديد السقف الإجمالي للإنتاج، والاستثمار حصراً للمؤسسات الجديدة. في حين توجَّب تحديث المؤسسات القديمة من  أرباح المؤسسات.

لقد خصَّت الإصلاحات المذكورة قطاع ما عُرف ب"ملكية كل الشعب"، أي عمل السوفوخوزات "مزارع الدولة" و ذلك وفقاً لقرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي و مجلس وزراء الإتحاد السوفييتي الصادر بتاريخ 13 نيسان/أبريل 1967، حيث بدأ إنتقال السوفوخوزات لنظام "الإدارة الذاتية" بشكل كامل. ففي عام 1975 كانت كل السوفوخوزات تعمل بنظام "الإدارة الذاتية حصريا.ً[33]

جاء الإنحدار النظري و سياساته التراجعية المماثلة في الإتحاد السوفييتي، في مرحلة جديدة  اتصفت بوصول تطور القوى المنتجة إلى مستوى أعلى، كان يتطلب حينها تطوير التخطيط المركزي. و هو ما يعني، أن تعميق العلاقات الاشتراكية، كان ضرورة ناضجة وقتها.

لم تكن الإصلاحات "السوقية" التي اختيرت، تعبيراً عن اتجاه وحيد و إجباري قسري. فمواجهة مشاكل الاقتصاد كانت تتطلب معالجة  الدوافع والمؤشرات الأكثر فعالية  للتخطيط المركزي، والقطاعي والمتعدد القطاعات، و على مستوى تطبيقها في المؤسسات و مجموعاتها، كما و ترافق ذلك حينها مع رفض مقترحات وخطط  متعلقة باستخدام الحواسيب و المعلوماتية،[34] أمر كان من الممكن إسهامه في تحسين معالجة المعطيات، بهدف تحسُن معالجتها من ناحية متابعة ومراقبة، عملية إنتاج "القيم الإستعمالية" عبر مراقبة المؤشرات الكمية والنوعية للإنتاج.

فعن طريق الإصلاحات "السوقية"، و عِبر انتزاع وحدة الإنتاج الاشتراكي إلى خارج حساب عملية التخطيط المركزي، تم إضعاف الطابع الاشتراكي لملكية وسائل الإنتاج. كما و انتُهك أيضاً مبدأ "لكلٍ حسب عمله".
كما قام مؤتمر  الحزب الشيوعي السوفييتي اﻠ24، عبر توجيهاته نحو صياغة الخطة الخمسية التاسعة (1971-1975)، بقلب أولوية "التقسيم الثانوي الأول" لصالح  الثاني. إن قلب و عكس هذه النسبة كان قد اقتُرح أيضاً في أثناء المؤتمر اﻟ20 حيث تم رفضه حينها. كما كان تبرير التغيير المذكور " كخيار تعزيز مستوى الاستهلاك الشعبي". في الواقع كان  خياراً قد انتهك حينها حتمية اقتصادية، و كان له أثر سلبي على نمو إنتاجية العمل. إن نمو إنتاجية العمل  كعنصر أساسي لزيادة الثروة الاجتماعية، وتلبية الاحتياجات الاجتماعية والتنمية الشاملة البشرية، يتطلب تطوير وسائل الإنتاج. حيث توجَّب على التخطيط القيام بمواجهة أكثر فعالية للضرورة التالية : إدخال التكنولوجيا الحديثة في مجالات الصناعة والنقل والتخزين وتوزيع المنتجات.

إن خيار قلب و عكس النسب المذكورة لم يساعد في معالجة التناقضات  المتجلية فعلياً (على سبيل المثال، السيولة الزائدة وعدم وجود ما يكفي من المنتجات الاستهلاكية مثل المواد المنزلية، أجهزة التلفزيون الملونة). على العكس من ذلك ، قام بإبعاد التخطيط المركزي عن تحقيق هدفه و هو: صعود مستوى الرفاه الاجتماعي.

بل و زاد من حدة التناقض بين مستوى تطور القوى المنتجة ومستوى علاقات الإنتاج – التوزيع، الشيوعية.

في الثمانينات شكلت قرارات المؤتمر اﻟ27  عام (1986) على الصعيد السياسي، خيارات انتهازية جديدة. تلاها تنامي الثورة المضادة، عبر اعتماد القانون (1987) الذي ينص على مأسسة العلاقات الرأسمالية عبر قبوله و إقراره بتنوع أشكال علاقات الملكية.

في أوائل التسعينات تم التراجع و بسرعة عن النهج "الإشتراكي الديموقراطي" المعروف ب"اقتصاد السوق المخطط"(موضوعات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي نحو المؤتمر اﻠ28) لصالح موضوعة "اقتصاد السوق المُعيَّر" التي تم استبدالها لاحقاً ﺒ"اقتصاد السوق الحر".

20-  إن حكمنا اليوم على الاتجاه الذي سيطر وقتها، ليس من الناحية النظرية فقط و لكن أيضا من ناحية النتيجة. فبعد تطبيق الاصلاحات على مدى عقدين، تفاقمت حدة المشاكل بشكل ملحوظ. كما و شهد مسار البناء الاشتراكي ركوداً للمرة الأولى. و بقي واقع التخلف التكنولوجي سمة الغالبية العظمى من المؤسسات. و ظهر نقص في كثير من المنتجات الاستهلاكية وغيرها من مشاكل "السوق" لأن المؤسسات كانت تعمل على إيجاد زيادات مصطنعة  للأسعار، عبر تركها للمنتجات في المستودعات، أو عبر تقليصها لكميات المنتجات المعروضة. كما و شكل انخفاض مشاركة الإتحاد السوفييتي في الإنتاج العالمي، من ناحية إنتاج المواد الصناعية و التحويلية، خلال السبعينات مؤشراً مهماً على تراجع الإقتصاد السوفييتي.

إن التدخل المتعاظم لعناصر السوق في عملية الإنتاج الاجتماعي المباشر، أدى بدوره لإضعافه في ظروف الاشتراكية : حيث شهد الزخم الدافع، للتنمية الاشتراكية هبوطاً. و تم تعزيز المصلحة الفردية و الجماعية القصيرة الأمد (زيادة تمايز دخل العاملين من مؤسسة لأخرى، و تمايز بين دخل العاملين و الجهاز الإداري)، على حساب المصالح الاجتماعية العامة. و في هذا المسار خُلقت الأرضية الاجتماعية لاشتداد عود الثورة المضادة وغلبتها في نهاية المطاف،عبر وسيلتها، البيريسترويكا.

أوجدت الإصلاحات الإمكانية للأموال المتراكمة، عن طريق وسائل غير مشروعة (تهريب ، الخ) أساساً، لاستثمارها في "السوق السوداء" (المخالفة للقانون). حيث خصَّت الإمكانية المذكورة كادر إدارة المؤسسات و القطاعات، و كوادر الكولخوزات والتجارة الخارجية. هذا و كان مدعي الحق العام، في الإتحاد السوفييتي قد أصدر بيانات متعلقة بما يسمى ب "اقتصاد الظل"،  فوفقا للبيانات المذكورة، كانت الظاهرة ناتجة بشكل أساسي عن جزء من الإنتاج الزراعي لمزارع الدولة و التعاونية، الذي كان يجد طريقه نحو المستهلكين بطرق غير قانونية.

ازداد تباين الدخل بين المزارعين المنتجين الفرديين و بين التعاونيين، و ازدادت معارضتهم للتوجه نحو توسيع الطابع الاجتماعي المباشر للإنتاج الزراعي. في حين أن قسماً من المزارعين و من الكوادر الإدارية التعاونية كان قد حقق ثروة و عزز من حضوره، كشريحة معيقة  لبناء الاشتراكية. كما و كانت التفاوتات الاجتماعية أكثر حدة في الصناعة عبر تمركز "الربح المؤسساتي"، فإن ما يعرف ﺒ "رأسمالية الظل" لم يكن ناتجاً عن الإثراء من الربح المؤسساتي المذكور فحسب، بل وعن السوق "السوداء"، وعن أفعال اغتصاب الناتج الاجتماعي الإجرامية، حيث عملت "رأسمالية الظل" على تأمين ظروف قانونية لعملها و نشاطها "بصفتها رأس مال" في عملية الإنتاج، أي أنها سعت لخصخصة وسائل الانتاج، و اعادة "تنصيب" الرأسمالية. هذا و شكَّل مالكو رأس مال "الظل" القوة الإجتماعية الدافعة للثورة المضادة. حيث استغلوا مراكزهم في الهيئات الحزبية و جهاز الدولة. كما لاقوا دعماً من قطاعات السكان، التي كانت أكثر عرضة لتأثير الإيديولوجية البورجوازية و للتذبذب، بحكم موقعها موضوعياً، ، نذكر كمثال عنها: جزء هام من الإنتلجنسيا وقطاعات الشباب كالطلاب منهم،[35] حيث كان للقوى المذكورة تأثير في الحزب بشكل مباشر أو غيره، عبر تعزيزها للتفسخ الانتهازي ولانحطاط قوى الثورة المضادة الذي تجلى في سياسة "البريسترويكا"و في مطالبتها، بتعزيز مأسسة العلاقات الرأسمالية. أمر حُقق بعد البريسترويكا، عبر الإنقلاب على الإشتراكية.

استنتاجات حول دور الحزب الشيوعي في عملية بناء الإشتراكية

21- إن دور الحزب الحتمي في عملية التأسيس الإشتراكي و التنمية الإشتراكية، يتجلى في قيادته للسلطة العمالية و في تعبئته، للجماهير للمشاركة في السلطة.

حيث تقوم الطبقة العاملة بالإنتظام في تشكيل قيادي للسلطة الجديدة، و عبر حزبها فوق أي اعتبار.
يجري النضال من أجل تأسيس وتطوير المجتمع الجديد، بواسطة سلطة العمال الثورية التي يشكل نواتها القيادية الحزب الشيوعي، الذي يعمل بدوره بوعي، و وفقا لقوانين حركة المجتمع الاشتراكي - الشيوعي. حيث ينتقل الإنسان و أثناء صيرورته لمسيطرٍ على العمليات الاجتماعية تدريجياً، من عالم الضرورة إلى عالم الحرية. من هنا تنبع أهمية دور العامل الذاتي، مُقارنةً مع دوره في جميع التشكيلات الاجتماعية - الاقتصادية السابقة التي هيمن في غضونها،على النشاط البشري الفرض العفوي للقوانين الإجتماعية، على أرضية النمو العفوي لعلاقات الإنتاج.

و بالتالي يشكل اتسام الحزب الشيوعي بالعلمية و الطبقية، شرطاً حاسماً  لبناء الاشتراكية. حيث يتناسب اشتداد عود الإنتهازية طرداً، مع مقدار افتقاد الحزب الشيوعي، للسمات المذكورة، حيث تتطورالإنتهازية في حال عدم مواجهتها، لتصبح قوة ثورةٍ مضادة.

إن مهمة تطوير علاقات الإنتاج- التوزيع، الشيوعية، تشترط قيام الحزب الشيوعي بتطوير نظرية الشيوعية العلمية، من منطلق إدراكه لحتميات قانون حركة التشكيل الاقتصادي- الاجتماعي الشيوعي، مع استخدامه للعمل العلمي لأغراض طبقية. فقد أظهرت التجربة أن الأحزاب الشيوعية الحاكمة في كل من الإتحاد السوفييتي وباقي الدول الاشتراكية، لم تتمكن من إتمام المهمة المذكورة بنجاح.

إن تشُّكل وعي الطبقة العاملة الطبقي، لا يتم بشكل عفوي أو موحَّد.  فصعود الوعي الشيوعي لجماهير الطبقة العاملة، يعتمد قبل كل شيء، على تعزيز علاقات الانتاج الشيوعية و على مستوى المشاركة العمالية، تحت إشراف الحزب الشيوعي، المشكِّل بدوره للحامل الرئيسي، لعملية اختراق الوعي الثوري صفوف الجماهير. و على هذا الأساس المادي، ينبغي أيضاً أن يستند نشاط الحزب الأيديولوجي، و تأثيره الثوري المؤكِدِ على دوره القيادي المتناسب بدوره مع تعبئته للطبقة العاملة، في  عملية بناء الاشتراكية.

إن الطليعة مدينة دائما بالمحافظة على تقدم وعيها، عن الوعي المتشكل في الطبقة العاملة في ظل العلاقات الإقتصادية، ومن هنا تبرز ضرورة امتلاك الحزب ذاته، لمستوى تثقيف نظري و فكري عالٍ، و لثبات في كفاحه ضد الانتهازية، سواءاً في ظروف الرأسمالية و بدرجة أكبر أثناء ظروف بناء الاشتراكية.

22-  إن سيطرة الإنحراف الانتهازي في الخمسينات، و فقدان الحزب تدريجياً لطابعه الثوري، هم أمران مؤكدان على عدم التغاء مخاطر نمو الإنحرافات في ظروف المجتمع الاشتراكي.  فبعيداً عن اعتبارات، الحصار الإمبريالي و تأثيره السلبي الذي لا يمكن إنكاره، فإن الأساس الاجتماعي للانتهازية هو باقٍ، باستمرار المحافظة على أشكال الملكية الفردية و الجماعية، وببقاء العلاقات المالية -  البضاعية، والفوارق الاجتماعية. و في نهاية المطاف، تبقى القاعدة المادية للانتهازية موجودة، على كامل مدى المسار الاشتراكي، و مع استمرار وجود الرأسمالية على الأرض، و على وجه الإخص بوجود دول رأسمالية قوية.

وجدت المرحلة الجديدة التي تلت الحرب العالمية الثانية، الحزب و قد أُضعف فكرياً، و تعرض لخسائر فادحة أصابت  كوادره المُجرَّبة و المثقفة طبقياً، كما اتصف بالقصورعلى الصعيد النظري و بنقاط ضعف في إجابته على المشاكل الجديدة، التي وصلت حد التفاقم. حيث وُجد الحزب عُرضة للصراع المعبِّر عن التفاوتات الاجتماعية القائمة. وفي ظل هذه الظروف. رَجحت كفة الميزان لصالح اعتماد مواقف انتهازية و تحريفية، هي مواقف كانت أغلبها قد هُزمت، في مراحل الصراع السابقة.

إن تبني المفاهيم الانتهازية و التحريفية من قبل قيادة الحزب الشيوعي السوفييتي وقيادات الأحزاب الشيوعية الحاكمة، هو أمر حوَّل في نهاية المطاف، تلك الأحزاب للحوامل التي قادت الثورة المضادة، في عقد ثمانينات القرن الماضي.

شهد المؤتمر اﻠ19 عام (1952) مشاكل خطيرة في تطويرعمل الحزب الفكري و الإستهانه به[36]. حيث أظهرت البيانات الرسمية تغييرات في عدد وتركيبة أعضاء الحزب الشيوعي. ففي المؤتمر اﻟ18 للحزب الشيوعي "البلشفي" (المنعقد في آذار / مارس 1939) بلغ عدد أعضائه 1588852 و عدد أعضائه المرشحين888814. في حين تجاوز عدد أعضائه خلال الحرب العالمية 3615000 عضواً، و عدد أعضائه المرشحين 5.319.000.37[37]، أي أن الحزب فقد خلال الحرب 3000000 عضواً[38]، كما بلغ عدد أعضاء الحزب الشيوعي السوفييتي في المؤتمراﻠ 19 عام 1952، 6013259 و عدد الأعضاء المرشحين868.886 .[39]

إن الإنحراف الانتهازي الناتج عن المؤتمر اﻟ20 للحزب الشيوعي السوفييتي عام 1956 و فقدانه التدريجي لاحقاً لسماته الثورية، الذي ترافق مع استهدافه من قبل العدوانية الامبريالية كحزب سُلطة، هو أمر صعَّب تيقظ و تشكيل الشيوعيين الثابتين. هذا و كانت صراعات قد جرت في صفوف الحزب، قبل و خلال المؤتمر اﻠ20[40] للحزب الشيوعي السوفييتي، إن المرحلة التي سبقت البيرسترويكا، و التي اتصفت وثائق الحزب أثنائها بالتنويه لضرورة تكثيف النضال ضد المفاهيم البرجوازية و التحريفية و لضرورة التيقظ للإفساد الإمبريالي، كانت قصيرة للغاية، وهي الفترة التي كان يوري أندروبوف أميناً عاماً للجنة المركزية و التي امتدت من نوفمبر1982 و حتى فبراير 1984.

لم تتمكن القوى الشيوعية الصادقة المتواجدة في صفوف الحزب الشيوعي السوفييتي من الفضح الناجز، لتوجه الثورة المضادة الخائن، الذي كان قد هيمن على الجلسة الموسعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي في نيسان / أبريل 1985 وفي المؤتمر اﻠ27 عام 1986. وقد أظهر التاريخ، أمر احتواء الحزب على قوى برجوازية و انتهازية و شيوعية، أثناء المؤتمر اﻠ 28 عام 1990، عشية الهجوم النهائي للثورة المضادة،  حيث لم تمتلك القوى الشيوعية القوة للسيطرة و لمنع انتصار الثورة المضادة، و ذلك على الرغم من المقاومة التي أبدتها في المؤتمر اﻠ 28 و بعده. حيث انتظمت هذه القوى لاحقاً ضمن "الجبهة الموحدة لكادحي روسيا"، و قدمت مرشحيها،  لكلا منصبي رئيس ونائب رئيس روسيا. كما و حاولت عبر "حركة المبادرة الشيوعية"، ضمن صفوف الحزب، طرد غورباتشوف من الحزب بتهمة النشاط المعادي للشيوعية.[41]

فعلى الرغم من المقاومة الحاصلة، لم تتشكل في نهاية المطاف طليعة شيوعية ثورية تتصف بوضوح  إيديولوجي وتماسك سياسي، قادرة على توجيه الطبقة العاملة، أيديولوجياً وسياسياً وتنظيمياً، ضد الثورة المضادة الجارية. فحتى مع عدم تمكنها من عكس هذا المسار، خصيصاً في عقد الثمانينات، فإن الأمر المؤكد هو أن المقاومة القوية، سواء داخل أحزاب السلطة، أو في صفوف الحركة الشيوعية العالمية، لكان من شأنها أن تُسهم بفرض ظروف مختلفة، تؤثر بدورها في النضال الحالي، من أجل إعادة بناء الحركة الشيوعية العالمية، كما و أيضاً في تهيئة الظروف لتغلب الحركة على أزمتها العميقة.

إن أمر سيطرة المفاهيم الأيديولوجية التحريفية و السياسات الإنتهازية، لم يكن حتمياً، فكان "الصدأ والتآكل" الإنتهازي التدريجي للحزب الشيوعي السوفييتي، وغيره من الأحزاب الشيوعية المتواجدة في السلطة، الذي تلاه انحطاط الطابع الثوري للسلطة، ثم تطورها و صيرورتها، ثورة مضادة، انتصرت لاحقاً.
إننا نواصل التوسع في جملة العوامل التي ساهمت في هذا التطورالمذكور، و هي العوامل المتضمنة لكل من
:

أ) *  انخفاض مستوى التثقيف الماركسي السياسي، على مستوى قيادة الحزب الشيوعي والحزب ككل، بسبب ظروف الحرب الخاصة، والخسائر الفادحة و زيادة عدد أعضاء الحزب الشيوعي السريعة بعد الحرب، أمر  أدى إلى تخلف في تطوير الإقتصاد السياسي الاشتراكي.

* تبعية السلطة الشيوعية نسبياً في الإتحاد السوفييتي، و منذ ولادتها، للكادر العلمي و الإداري المنحدر من أصول برجوازية.

* "وراثة" الإتحاد السوفييتي لأنماط التخلف و علاقات ما قبل رأسمالية،  الواسعة الإنتشار، مع التفاوت الرأسمالي.

* خسائر الحرب العالمية الثانية  الفادحة، والتضحيات المتعلقة بمستوى الرفاه الاجتماعي، و المتمثل بتكلفة إعادة بناء ما بعد الحرب، في ظل ظروف التنافس، مع إعادة بناء الرأسمالية في أوروبا الغربية، التي استندت بشكل كبير على إمكانيات رأس المال في الولايات المتحدة، وعلى ضرورة تصديره.

* المشاكل والتضادات الناجمة، من عملية ضم دول أوروبا الوسطى والشرقية إلى النظام الاشتراكي.

* الخوف من حرب جديدة نتيجة التدخل الإمبريالي في كوريا إلخ... ، و "الحرب الباردة" ، و نهج هالستاين في ألمانيا الغربية (عدم الاعتراف بجمهورية ألمانيا الديموقراطية الشعبية، و اعتبارها "منطقة احتلال سوفييتي").

ب) كانت استراتيجية الامبريالية متكيفة من حيث الشكل، في فترات مختلفة بالنسبة لسلطة العمال الثورية (عدوان امبريالي مباشر في عام 1918 و 1941، و إعلان "الحرب الباردة" في عام 1946) ، بما في ذلك سياسة التمايز على مستوى العلاقات الدبلوماسية والمعاملات التجارية مع دول أوروبا الوسطى والشرقية، وأيضاً بممارسة الضغط الفكري والسياسي المباشر على الإتحاد السوفييتي. كما و لجأت سياسة التدخل الإمبريالي العالمي، في بلدان البناء الاشتراكي، لإستخدام الإشتراكية الديموقراطية العالمية، و دورها التخريبي.
كما كان لتوازن القوى المتشكل أثناء الحرب العالمية الثانية، دوره في تعزيز الانتهازية، التي سادت في نهاية المطاف أثناء الخمسينات. فالضغوط الخارجية المتعددة الجوانب التي مُورست منذ بدايات الإربعينات  اتخذت الإشكال التالية:

* احتلال الإمبريالية الألمانية لقسم كبير من الإتحاد السوفييتي.

* تطويق الإمبريالية للإتحاد السوفييتي، عبر تحالفه الإجباري، مع الولايات المتحدة و بريطانيا.

* مشاكل في خط توجه الحركة الشيوعية العالمية، ولا سيما في الأحزاب الشيوعية في  الولايات المتحدة و بريطانيا، أي القوى الإمبريالية الرئيسية، التي تحولت لحليفة، في حين تواجد قسم كبير من الإتحاد السوفييتي، تحت الاحتلال الألماني.

* الضغط الممارس من قوى برجوازية صغيرة و حكوماتها على جبهات التحرير، نحو الإتحاد السوفييتي باعتبارها قوى حليفة جديدة.

تشابكت الضغوط الخارجية مع الضغط الداخلي الممارس من قبل قوى برجوازية صغيرة (أو من قبل كوادر في الإقتصاد و الإدارة، متحدرة من أصول برجوازية). حيث عُزز الإنتاج الفردي البضاعي في الإتحاد السوفييتي عبر منحه اراضٍ جديدة بعد الحرب العالمية الثانية.

تشكل الأمور المذكورة أعلاه، عوامل لتنمية الانتهازية في ظروف، تم فيها توسيع كبير لصفوف الحزب، رافقه أيضاً فقدان كوادر الحزب وأعضائه الذين عايشوا فترة الثورة.
نحن بصدد إجراء المزيد من البحث والتحقيق في تطور تركيبة الحزب الاجتماعية، وهياكله وإجراءاته الداخلية (أسباب التأخر الطويل، في عقد المؤتمر) وتأثيراتها على المستوى الأيديولوجي وعلى سمات الحزب الثورية ككل، من أعضاء و كوادر.

ج) المشاكل المتعلقة باستراتيجية الحركة الشيوعية العالمية وانقسامها.

مسار السلطة السوفييتية

23- إن الأساس النظري لتقييم مسار السلطة السوفييتية، هو أن السلطة أثناء الاشتراكية، هي ديكتاتورية البروليتاريا. أي أنها سلطة الطبقة العاملة التي لا تتقاسمها مع أحد، كما هو الحال في جميع أشكال السلطة. فديكتاتورية البروليتاريا هي أداة الطبقة العاملة في الصراع الطبقي، المستمر بأساليب و أشكال أخرى.
تشكل الطبقة العاملة حاملاً للعلاقات الشيوعية الناشئة، و باعتبارها المالك الجماعي لوسائل الإنتاج الممتلكة اجتماعياً، كما وهي الطبقة الوحيدة التي يمكنها قيادة النضال من أجل السيطرة الكاملة للعلاقات الشيوعية، من أجل القضاء على الطبقات و اضمحلال الدولة. فعبر سلطتها الثورية، تقوم الطبقة العاملة كطبقة مسيطرة بتحقيق تحالفها مع الشرائح و الفئات الشعبية الاخرى ( كصغار المزارعين و الملاكين المنتظمين في تعاونيات في الريف و المدينة، إضافةً للعاملين لحسابهم الخاص في قطاع الخدمات)، وكذلك مع العلماء - المفكرين والفنيين المتحدرين من عليا الشرائح الوسطى، الذين ليسوا بعاملين في قطاعات الإنتاج الاجتماعي المباشر (الاشتراكي). فمن خلال هذا التحالف، تسعى الطبقة العاملة، لتوجيه هذه الشرائح و الفئات، نحو التأسيس للاشتراكية و تنميتها،  في سبيل هيمنة العلاقات الشيوعية بشكل شامل.

إن أمر التحالف ينطوي بالتأكيد على توافق، و على صراع في نفس الوقت، بسبب وجود تناقضات موضوعية بين القوى الاجتماعية المذكورة، المتحدة على إختلافها في إطار، مع وجود تضارب محتمل لمصالحها.

فبقدر عدم معالجة التناقضات، في اتجاه توسيع وتعميق العلاقات الاشتراكية، يزداد  احتمال تفاقمها لتصل مستوى النزاعات.[42]

كما تبقى ديكتاتورية البروليتاريا، حتى يصبح مجمل العلاقات الاجتماعية شيوعياً، أي باستمرار وجود الدولة كضرورة، باعتبارها أداة الهيمنة السياسية. كما أن ضرورتها هي نتيجة لاستمرار الصراع الطبقي على الصعيد العالمي.

24- إن الخيارات السياسية المتعلقة بالبناء الفوقي، ومؤسسات ديكتاتورية البروليتاريا، و الرقابة العمالية، الخ. ..ترتبط بشكل وثيق مع الخيارات السياسية في الاقتصاد، ما دامت  أهم مهمة لديكتاتورية البروليتاريا هي تشكيل علاقات اجتماعية جديدة.

ففي أول دستورﻟ "ج.ر.س.ف.إ"[43] وأول دستور للإتحاد السوفييتي  عام 1924، كما و في (ودساتير الجمهوريات السوفييتية، لعام 1925) كانت تحقيق ارتباط  جهاز الدولة بالجماهير، يتم عبر تمثيل العمال الغير مباشر، حيث كان تنظيم الانتخابات يجري من منطلق مبدأ الانتاج. الذي يكفل حقوق التصويت حصراً للعمال و الموظفين (وليس المواطنين عامة). حيث تم حرمان حقوق التصويت و الترشيح، من الطبقة البرجوازية، و ملاكي الأراضي، وجميع مستغلي عمالة الغير، والرهبان والكهنة، وعناصر الثورة المضادة. فالتنازلات التي قُدمت للرأسماليين عِبر السياسة الاقتصادية الجديدة (النيب) لم تترافق مع منحهم حقوقاً سياسية.
تم اعتماد التمثيل المباشر،بموجب دستور عام 1936، على أساس المبدأ الجغرافي (أصبحت المنطقة، وحدة انتخابية و اعتُمدت نسبة التمثيل على أساس عدد السكان). تم إلغاء إجراء الانتخابات عبرالإجتماعات الانتخابية، و تم اعتماد اجرائها عبرمراكز اقتراع. كما تم تعميم حق التصويت بالاقتراع السري.

إن التغييرات التي أدخلت على دستور عام 1936، سعت لمعالجة بعض المشاكل[44]، كنقص وجود اتصال مباشر لكوادر الحزب و السوفييتات مع القاعدة العمالية و مع أدائها، و الموقف البيروقراطي إلخ..، كما و مع العمل على تثبيت السلطة السوفييتية في مواجهة  قدوم الحرب.

إن المقاربة النقدية لهذه التغييرات تركز على الحاجة لمزيد من الدراسة، على انخفاض مستوى أداء  وحدات الانتاج بوصفها التنظيم الأساسي للسلطة العمالية، و هو الناتج عن إلغاء مبدأ الإنتاج، ومبدأ الانتخاب الغير المباشر من خلال المؤتمرات والاجتماعات. كما و ضرورة دراسة تأثيراتها السلبية على التشكيل الطبقي لهيئات الدولة العليا، و على إمكانية تطبيق إجراء سحب المندوبين و النواب، (وهو الإجراء الذي كان يشكل وفقا للينين :عنصرا أساسيا من عناصر ديموقراطية، ديكتاتورية البروليتاريا).

25- عُززت صلاحيات السوفييتات المحلية بعد المؤتمر اﻠ20  عام (1956) المتعلقة بقضايا "الإدارة الذاتية" و "التمويل الذاتي" للمؤسسات الاشتراكية. و بهذا الشكل تراجعت الديموقراطية المركزية على الصعيد السياسي لتتوافق مع تراجع التخطيط المركزي على المستوى الاقتصادي. حيث اتخذت خطوات لتعزيز  "دوام"  الكوادر السوفييتية، مع زيادة تدريجية في سنوات خدمة الهيئات، وتوسيع إمكانية إعفاء النواب من مهامهم الإنتاجية.

في أثناء المؤتمر اﻠ22 للحزب الشيوعي السوفييتي عام (1961) اعتمدت تقديرات خاطئة حول "الاشتراكية المتطورة" و "نهاية الصراع الطبقي". و ذلك تحت عنوان  "النزاعات اللاتناحرية" بين الطبقات والفئات الاجتماعية، كما و اعتمد توصيف دولة الإتحاد السوفييتي "كدولة كل الشعب" (المعتمد في التعديل الدستوري لعام 1977) و توصيف الحزب الشيوعي السوفييتي "بحزب كل الشعب". كان للتطور المذكور دور ساهم في تغيير سمات دولة العمال الثورية، وتدهور التركيبة الاجتماعية للحزب و كوادره، وفي فقدان التيقظ الثوري، و هي تطورات تمت "أدلجتها" عبر الموضوعة المتعلقة ﺒ"لا رجوعية" المسار الإشتراكي.
تدهور نظام السوفييت عِبر البيريسترويكا و عبر إصلاح النظام السياسي عام 1988، حيث انحدر متحولا لبرلمان برجوازي، يفصل أدائه التنفيذي عن التشريعي، متصفاً ايضاً بثبات المناصب، وتقويض سحب المندوبين و النواب مع ارتفاع اجورهم، الخ....

26-  سجلت التجربة العملية، ابتعاد  الجماهير تدريجياً عن المشاركة في النظام السوفييتي، مما أدى وخاصة في الثمانينات، لتحويلها لمشاركة شكلية بحتة. أمر لا يمكن أن يعزى حصرا أو أساسا إلى التغييرات في أداء السوفييتات، بل للفروق الاجتماعية التي عُززت من قبل السياسة الإقتصادية المُتبعة، ولزيادة حدة التناقض بين مصالح محددة  فردية و فئوية من جهة، و بين المصالح الاجتماعية - الجماعية من جهة أخرى. و بهذا الشكل تدهورت معايير الرقابة العمالية و أصبحت هي أيضاً من الشكليات.

بمقدار اعتماد قيادة الحزب الشيوعي السوفييتي لخيارات أضعفت الطابع الاجتماعي للملكية وعززت المصالح  الضيقة للجماعات والأفراد ، كانت تُخلق مشاعر الاغتراب عن الملكية الاجتماعية مع إفساد الوعي. كما فُتحت الطريق المؤدية إلى السلبية واللامبالاة والفردية، وكما كانت الممارسة تتحرك بعيدا عن الشعارات المعلنة، بقدر ذلك تقلصت أيضاً وتائر إعادة الإنتاج الصناعي و الزراعي الموسع، أمر أدى لتقلص معدلات تغطية الاحتياجات الاجتماعية المتزايدة.

إن الطبقة العاملة، والجماهير عموما لم تتنكر للاشتراكية. فجدير بالذكر، أن الشعارات التي استخدمتها البريسترويكا كانت :"ثورة داخل الثورة" ، و"المزيد من الديمقراطية"، و "المزيد من الاشتراكية"، كما و "اشتراكية بوجه إنساني"، و"العودة إلى المبادئ اللينينية" ، و ذلك لأن نسبة كبيرة من الشعب كانت مُدركة للمشاكل، و كانت ترغب  بتغييرات في نطاق الاشتراكية. فكل الإجراءات المتخذة سواءاً في البداية التي كان من شأنها  إضعاف العلاقات الشيوعية وتعزيز العلاقات البضاعية - المالية، أو تلك المتخذة لاحقاً والتي مهدت لاستعادة الملكية الفردية لوسائل الإنتاج، تم تقديمها على أنها : إجراءات لتعزيز الاشتراكية.

استراتيجية الحركة الشيوعية العالمية و تطوراتها الداخلية

27- إن تطورات الحركة الشيوعية العالمية، و قضاياها الاستراتيجية  لعبت دوراً  في الصراع الطبقي على مستوى العالم، و في تشكيل توازن القوى.[45]

كانت مشاكل وحدة الايديولوجية والاستراتيجية، موجودة على طوال تاريخ الشيوعية الأممية، حيث كانت مشاكل متعلقة بطابع الثورة و الحرب القادمة بعد صعود الفاشية في ألمانيا[46]، كما و الموقف المتخذ تجاه الإشتراكية الديمقراطية.

إن المجموعات الانتهازية داخل الحزب الشيوعي البلشفي (التروتسكيين- البوخارينيين) ارتبطت أيضاً بالصراع الجاري ضمن الأممية الشيوعية حول استراتيجية الحركة الشيوعية العالمية. ففي أواخر العشرينيات و في المؤتمر السادس للأممية الشيوعية، قام بوخارين كرئيس للأممية الشيوعية، بدعم قوى معينة داخل الأممية و أحزابها، و هي تلك القوى  التي اتصفت بالمبالغة في "تثبيت الرأسمالية" و في زعمها بعدم إمكانية نهوض ثوري جديد، و هي القوى عيها التي عبرت عن ميول للإتفاق مع  الإشتراكية الديمقراطية، وخصوصاً مع تلك المدعوة ﺒ "اليسارية"  الخ....

إن ترهل أداء الشيوعية الأممية كان قد ظهر، عدة سنوات قبل حلها عام (1943) [47]. فتفكيكها في أيار/مايو 1943، و على الرغم من مشاكل وحدتها وما إذا كان بالإمكان الحفاظ عليها أو لا، هو أمر أفقد الحركة الشيوعية العالمية، مركزها و إمكانية وضع استراتيجية منسقة لمعالجة استراتيجية  ثورية، من أجل تحويل النضال ضد الحرب الإمبريالية أو الاحتلال الأجنبي لنضال من أجل السلطة، كمهمة تخص كل حزب شيوعي في ظروف بلده[48].

بغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى تفكك الأممية الشيوعية، فإن أمر تشكيل الحركة الشيوعية على المستوى العالمي، لاستراتيجية ثورية موحدة مع تخطيط وتنسيق نشاطها، يبقى حاجة موضوعية. إن البحث المتعمق حول تفكيك الأممية الشيوعية، ينبغي أن يأخذ في الاعتبار عددا من التطورات[49]:  كتوقف نشاط  الأممية الحمراء النقابية عام 1937، وذلك لأن الغالبية العظمى من أقسامها انضم الى المنظمات التحريفية. و قرار المؤتمر السادس لأممية الشباب الشيوعية عام 1935، الذي نص على أن النضال ضد الفاشية والحرب يتطلب تغيير طبيعة منظمات الشباب الشيوعي، و الذي على أساسه تم دمجها مع منظمات الشباب الاشتراكية،  (على سبيل المثال ، في اسبانيا ، لاتفيا)، الخ...

قامت الحرب بتشكيل تفاقم و احتداد كبير في التناقضات الطبقية داخل كثير من البلدان، حيث ادى النضال ضد الفاشية الى الاطاحة بالسلطة البرجوازية، عبر الدعم الحاسم الذي قدمه الجيش الاحمر، للحركات الشعبية  في بلدان أوروبا الوسطى والشرقية حصراً.

في الغرب الرأسمالي ، لم تقم الأحزاب الشيوعية بإعداد استراتيجية لتحويل  الحرب الامبريالية  أو النضال التحرري، لنضال من أجل الاستيلاء على السلطة. إن استراتيجية الحركة الشيوعية لم تستخدم احتواء النضال المسلح التحرري، المعادي للفاشية في عدة بلدان، على تضاد رأس المال – العمل، لوضع مطلب السلطة على جدول الأعمال، و ذلك من منطلق أن الاشتراكية بأفق شيوعي، هي الحل الوحيد البديل، عن بربرية الرأسمالية.

إن الواقع السلبي لموازين القوى، لا يمكن أن يبررغياب استراتيجية مماثلة، فكانت الأحزاب الشيوعية مدينة بوضع استراتيجية مستقلة عن موازين القوى، و عن الوجود العسكري للقوات الامريكية والبريطانية في سلسلة من بلدان أوروبا الغربية. حيث كان هناك تراجع تدريجي، عن الموضوعة القائلة بعدم توسُّط أي نظام اجتماعي، بين الرأسمالية والاشتراكية، أي بعدم توسُّط أي سلطة سياسية بين السلطة البرجوازية و سلطة العمال الثورية.

إن الموضوعة المذكورة صحيحة بغض النظر عن موازين القوى،  فمهما كانت المشكلة، التي من الممكن أن تشكل محفزاً للتسريع، فاحتدام النزاعات الإمبريالية على سبيل المثال، والحروب الامبريالية، وتغييراتها  المؤثرة المحتملة على السلطة البرجوازية.

28- تمت إعادة ترتيب التحالفات عقب نهاية الحرب العالمية الثانية. حيث اتحدت الدول الرأسمالية والقوى البرجوازية و الإنتهازية في كل بلد (كقوى الإشتراكية الديموقراطية)التي شاركت في نضال التحرر الوطني، ضد الحركة الشيوعية و ضد الدول الإشتراكية.

في مثل هذه الظروف، زاد وضوح  النتائج السلبية الناجمة عن "التآكل و الصدأ" الانتهازي المتزايد الذي ضرب بعض أقسام الحركة الشيوعية العالمية. فالضرر الجدي الذي أصاب وحدة الأحزاب الشيوعية، فكرياً وتنظيمياً الذي ترافق مع غياب الارتباط بينها، إضافةً لتفكيك الأممية الشيوعية، هي عوامل لم تسمح بتشكيل استراتيجية مستقلة موحدة للحركة الشيوعية العالمية في مواجهة استراتيجية الإمبريالية العالمية.
إن "مكتب إعلام" الأحزاب الشيوعية[50]، الذي أنشئ عام 1947 و تم تفكيكه عام 1956، إضافةً لمؤتمرات الأحزاب الشيوعية العالمية، التي عقدت لاحقاً، لم تكن  قادرة على مواجهة المشاكل المذكورة  بشكل فعال.
حيث بقي النظام الإمبريالي العالمي قوياً بعد الحرب، على الرغم من تعزيز قوى الاشتراكية الأكيد. كما و باشرت الإمبريالية بعد الحرب، و بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية"بالحرب الباردة" التي شكلت استراتيجية تم وضعها بعناية هادفة لتقويض النظام الاشتراكي.

احتوت "الحرب الباردة" على  تنظيم الحرب النفسية، و تكثيف برامج التسلح، بغرض القضاء اقتصاديا على الإتحاد السوفييتي، كما اعتمدت على شبكات داخلية لتخريب وتدمير النظام الاشتراكي، مع استفزازت و تحريض علني لتطورات الثورة المضادة (على سبيل المثال في يوغوسلافيا في الفترة 1947 – 48، في جمهورية ألمانيا الديمقراطية عام 1953، في هنغاريا عام 1956 و في تشيكوسلوفاكيا في عام 1968 ، الخ..). وأعقب ذلك تباين في  السياسات الاقتصادية والدبلوماسية الممارسة، تجاه الدول الإشتراكية الجديدة، بهدف كسر تحالفها مع  الإتحاد السوفييتي، و من أجل تعزيز شروط "تآكلها بالصدأ" الانتهازي.

في الوقت ذاته، كان النظام الإمبريالي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، قد شرع في تأسيس تحالفات عسكرية، و سياسية، و اقتصادية ومنظمات الإقراض الدولية (منظمة حلف شمال الأطلسي، المجموعات الأوروبية، صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، واتفاقيات التجارة العالمية). حيث كان من شأن التحالفات المذكورة، ضمان التنسيق بين الدول الرأسمالية مع تخفيف من بعض النزاعات بينها، بما يخدم الهدف الاستراتيجي المشترك، بممارسة الضغوط المتعددة الأشكال على النظام الاشتراكي. كما قام النظام الإمبريالي بتنظيم تدخلاته، المنتظمة، واستفزازاته المتعددة الأشكال، وحملات معاداة الشيوعية. حيث تم استخدام أحدث   أسلحة التضليل الايديولوجي، في سبيل خلق مناخ عدائي ضد الدول الاشتراكية والحركة الشيوعية عموما. كما تم استغلال الانحرافات الانتهازية والمشاكل المتعلقة بوحدة ايديولوجية الحركة الشيوعية العالمية. كما قام النظام الإمبريالي بتقديم الدعم اقتصاديا وسياسيا وأخلاقيا، لادنى حركات التعبير عن الخلاف مع الحزب الشيوعي السوفييتي أو مع الاتحاد السوفييتي. حيث تم إنفاق المليارات من الدولارات من خلال الميزانيات الحكومية لهذه الأغراض.

29- إن خط "التعايش السلمي"،  كما وضع في السنوات التي تلت الحرب مباشرة، الذي تنامى نسبياً ضمن المؤتمر اﻟ19 الذي عقد في أكتوبر عام [51]1952، و تطور بشكل أساسي في المؤتمر اﻠ20 للحزب الشيوعي السوفييتي عام[52]1956 ، الذي اعترف ببربرية الرأسمالية و بعدوانية الولايات المتحدة وبريطانيا، كسمة مميزة لبعض قطاعات الطبقة البرجوازية ولقواها السياسية في الدول الرأسمالية الغربية، لا كسمة و عنصر أساسي من عناصر الرأسمالية الاحتكارية، الإمبريالية. و بهذا الشكل سمح الخط المذكور بتنمية مفاهيم أوتوبية قائلة، بقبول الإمبريالية للتعايش وعلى المدى الطويل، مع القوى التي قامت بكسر هيمنتها العالمية.
منذ المؤتمر اﻟ20 للحزب الشيوعي السوفييتي، شباط / فبراير 1956و عبر موضوعته القائلة " بتنوع أشكال الانتقال الى الاشتراكية، في ظل ظروف معينة."، بالإضافة لخط" التعايش السلمي " الذي تم ربطه بإمكانية الإنتقال إلى الاشتراكية في أوروبا بواسطة البرلمانية، وهي استراتيجية كانت موجودة في بعض الإحزاب، و سيطرت على معظمها. و هي موضوعة في جوهرها تشكل تحريفاً للإستنتاجات المستخرجة من  تجربة الاتحاد السوفييتي الثورية، كما و تشكل  استراتيجية إصلاحية، اشتراكية ديمقراطية.

كان هناك استهانة باستراتيجية الرأسمالية الموحدة التوجه، ضد البلدان الاشتراكية والحركة العمالية في البلدان الرأسمالية. فالتناقضات بين الدول الرأسمالية، التي تحتوي على عنصر من التبعية بطبيعة الحال، كما يحدث في هرم الامبريالية، هو أمر لم يُحلل بشكل صحيح. فكان هناك تقدير يقول بوجود "علاقة تبعية و خضوع أي بلد رأسمالي للولايات المتحدة الأمريكية،[53]  حيث تم اعتماد استراتيجية "الحكم المعادي للإحتكارات"، وهو شكل من أشكال المرحلة بين الرأسمالية والاشتراكية، الذي من المفترض قيامه بحل مشاكل "التبعية"  للولايات المتحدة الأمريكية. كما و اعتمد الخط المذكور من قبل الحزب الشيوعي الأمريكي، أي الحزب الشيوعي في البلد الذي يحتل  أعلى مرتبة في هرم الإمبريالية. ففي ممارسته السياسية، تجلى ذلك في مشاركته في حكومة إدارة الرأسمالية بالتعاون مع الإشتراكية الديمقراطية.

و بهذا الشكل اختارت الأحزاب الشيوعية  تحالفات سياسية مع قوى الطبقة البرجوازية، أي مع تلك التي تعرف بأنها "تفكر وطنيا" وتمييزا لها عن ما يسمى "البرجوازية الخاضعة للأجانب". مواقف مماثلة للمذكورة سيطرت على  ذلك الجزء من الحركة الشيوعية، التي اتجهت نحو الصين خلال الإنقسام الحاصل في الستينات، و هي القوى التي شكلت التيار الماوي.

كان موقف العديد من الأحزاب الشيوعية ضمن الإستراتيجية المذكورة، حيث سيطر على الأحزاب الشيوعية التقييم القائل بتقسيم الإشتراكيين الديمقراطيين، لجناحي "اليمين" و "اليسار" وبالتالي إضعاف الجبهة الأيديولوجية الموجهة ضدها بشكل كبير. فتًحتَ عنوانِ وحدةِ الطبقة العاملة، قامت الأحزاب الشيوعية بتنازلات أيديولوجية وسياسي خطيرة، في حين أن شعارات الوحدة من جانب الإشتراكية الديمقراطية، لا تهدف أصلا الى قلب النظام الرأسمالي، بل تهدف لانتزاع الطبقة العاملة من تأثير الأفكار الشيوعية، ولاغترابها الطبقي.
في أوروبا الغربية، سيطر في صفوف العديد من الأحزاب الشيوعية، و بحجة الخصوصيات الوطنية لكل بلد  تيار "الشيوعية الأوروبية" الانتهازي، الذي كان ينفي حتمية الثورة الاشتراكية وديكتاتورية البروليتاريا والنضال الثوري بشكل عام.

قام كلا شطري الحركة الشيوعية (أحزاب السلطة أو غيرها) بالمبالغة في تقدير قوة النظام الاشتراكي، و بالإستهانة  بقيمة زخم الرأسمالية أثناء اعادة اعمارها بعد الحرب. و ترافق ذلك مع تعمق أزمة الحركة الشيوعية العالمية، التي تجلت  في البداية  بتعليق كامل علاقات الحزب الشيوعي السوفييتي مع الحزب الشيوعي الصيني، ثم بتشكل تيار "الشيوعية الأوروبية".

إن تأثير الانتهازية المعاصرة المتبادل، وقتها بين كل من الأحزاب الشيوعية الحاكمة، و بين نظيرتها في البلدان الرأسمالية، تعزز في ظل ظروف التخوف من توجيه ضربة نووية ضد الدول الاشتراكية، و في ظل احتدام الصراع الطبقي داخل البلدان الاشتراكية (في وسط و شرق أوروبا)، والحروب الامبريالية الجديدة (  ضد كوريا، وفيتنام). حيث قادت تكتيكات الإمبريالية المرنة،  لتطوير الانتهازية في الأحزاب الشيوعية للدول الاشتراكية، ولتقويض البناء الاشتراكي، ولتقويض النضال الثوري في أوروبا الرأسمالية والعالم. و بهذا الشكل عُزز ضغط الإمبريالية على البلدان الاشتراكية،  بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وذلك باستخدام ، جملة  من الأمور، و إضافةً للتيارات الشيوعية الأوروبية، والتروتسكية والماوية،التي بطريقة أو بأخرى، و بدرجات مختلفة، أيدت هجمات الامبريالية على الإتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية الأخرى.

تقديرات حول موقف الحزب الشيوعي اليوناني

30-  قام كلا مؤتمري الحزب الشيوعي اليوناني الرابع عشر عام  1991 ومؤتمره "الوطني" في عام 1995، و من منطلق النقد الذاتي  بوضع التقديرات التالية : لم نقم كحزب بتجنب تمجيد وتجميل الاشتراكية، التي بنيت في القرن العشرين، كما وقللنا من أهمية المشاكل التي شهدناها، مُعزين اياها أساساً لعوامل موضوعية، حيث قمنا بتبريرها على أنها مشاكل تطوير الاشتراكية، أمر أثبت الواقع عدم صحته. كما و قمنا بالإستهانة بطابع الكفاح المعقد ضد البقايا المورثة، كما و بالغنا في تقدير مسار التنمية الاشتراكي، و قمنا بالتقليل من قيمة قوة النظام الإمبريالي العالمي.

إن نقدنا الذاتي يتعلق بمفهومنا الخاطئ حول الحتميات الاشتراكية، وبطبيعة التناقضات في عملية تشكيل وتطوير المجتمع الجديد. فموقف حزبنا شكَّل جزءاً من المشكلة، حيث حُجمت قدرتنا على استخلاص الإستنتاجات الصحيحة، من حقيقة ان حزبنا لم يعط الاهتمام الكافي لضرورة اكتساب الكفاءة النظرية، ولتشجيع الدراسة والاستيعاب الخلاق لنظريتنا، للاستفادة من تجربة النضال الطبقي الثوري الغنية، أي أن يسهم  بقواه في التنمية الخلاقة  لمواقف فكرية وسياسية، على أساس الظروف المتغيرة. حيث قمنا كحزب، و إلى حد كبير، بتبني التقديرات النظرية للحزب الشيوعي السوفييتي وخياراته السياسية الخاطئة.

تأثر موقفنا بشكل كبير بالطابع الرسمي للعلاقات، المتواجدة بين الأحزاب الشيوعية، و تبني مواقف الحزب الشيوعي السوفييتي، النظرية والإيديولوجية بلا نقد. نستنتج من تجربتنا المذكورة، وجوب التوفيق بين احترام تجربة الأحزاب الأخرى، مع الحكم الموضوعي على سياستها وممارستها، و مع النقد الرفاقي لأخطائها و معارضة انحرافاتها.

إن مؤتمر حزبنا عام 1995 انتقد حقيقة، تقبل الحزب لسياسة البيريسترويكا  "بلا انتقاد"، حيث كان قد أعلن حينها  أننا بصدد سياسة إصلاحات لصالح الاشتراكية. إن هذه الحقيقة عكست حينها واقع  تعزيز الانتهازية في صفوف حزبنا في ذلك الوقت.

إن المواجهة النقدية لموقف الحزب الشيوعي اليوناني تجاه بناء الاشتراكية، لا تقلل من شأن وقوف حزبنا، الواعي لدوره الأممي، مدافعاً عن عملية بناء الاشتراكية - الشيوعية في القرن اﻟ 20، وحتى عبر تضحيته بحياة الآلاف من أعضائه و كوادره. و يعود ذلك لكون النضال دفاعاً عن منجزات الإشتراكية المحققة في القرن العشرين، خياراً واعياً لحزبنا.

إن الحزب الشيوعي اليوناني لم ينتقل لجانب تلك القوى، المتحدرة من الحركة الشيوعية، التي انقادت نحو العدمية تحت عنوان انتقاداتها للإتحاد السوفييتي ولغيره من البلدان، و التي انقادت لرفض الطابع الاشتراكي، ولاعتماد الدعاية الإمبريالية. كما و لم يقم الحزب بتغيير موقف دفاعه على الرغم من نقاط ضعفه.

قضايا للدراسة مستقبلاً

31-  في ضوء التقديرات و التوجهات المذكورة، يتوجب على اللجنة المركزية الجديدة، تنظيم دراسة أعمق واستخلاص استنتاجات متعلقة بسلسلة من القضايا و هي :

-  أشكال تنظيم المشاركة العمالية، والحقوق والواجبات في مختلف مراحل السلطة السوفييتية  كالتالي : اللجان العمالية و المجالس الإنتاجية  في أثناء عشرينات القرن الماضي، الحركة الستاخانوفية في ثلاثينات القرن الماضي في مقارنة مع مجالس الإدارة الذاتية للبيريسترويكا. و علاقتهما مع التخطيط المركزي ومع تحقيق الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج.

-  تطور السوفييتات كشكل من أشكال ديكتاتورية البروليتاريا. و كيفية تحقيق علاقة" الحزب مع  السوفييتات و القوى العمالية و الشعبية " و ذلك في مراحل البناء الاشتراكي المختلفة في الإتحاد السوفييتي. و القضايا التي تهم تدهور أداء وحدة الإنتاج، بوصفها نواة تنظيم السلطة العمالية، عبر إلغاء منطلق مبدأ الإنتاج و نظام الإنتخاب الغير مباشر من خلال المؤتمرات والاجتماعات. و الآثار السلبية على تركيبة الهيئات العليا للدولة، و في إمكانية تطبيق إجراءات سحب المنصب.

- تطور سياسة الأجور، المتبعة على مدى  المسار الاشتراكي للإتحاد السوفييتي. التطور الطارئ على بنية الطبقة العاملة. و مزيد من دراسة العلاقات الشخصية- الاجتماعية خلال إنتاج و وتوزيع منتوج الإنتاج الاشتراكي.

- تطور علاقات الملكية وتوزيع الإنتاج الزراعي في الإتحاد السوفييتي. و الفروق بين العاملين في وحدات الإنتاج والخدمات، والتمايز الطبقي بين المنتجين الزراعيين، الفرديين و التعاونيين.
- التطورات في تركيبة الحزب، وبنيته و أسلوب عمله، وتأثيرها على المستوى الأيديولوجي وعلى سمات الحزب الثورية ككل، من أعضاء و كوادر.

-  تطور العلاقات بين الدول أعضاء مجلس التعاون الإقتصادي، والعلاقات الاقتصادية بين دوله الأعضاء و بين الدول الرأسمالية، وخاصة في الفترة المتصفة  بتراجع  بناء الاشتراكية.

-  ماهية الشكل المعبر عن السلطة العمالية في البلدان الاشتراكية الأخرى (الديمقراطية الشعبية)، و تحالف الطبقة العاملة مع شرائح البرجوازية الصغيرة و الصراع الجاري. التأثيرات القومية على أحزاب السلطة، وعلى سبيل المثال في الحزب الشيوعي الصيني، و في اتحاد الشيوعيين اليوغوسلاف. كيفية التأثير على طبيعة الأحزاب الشيوعية الحاكمة، بعد عام 1945، باندماجها مع أجزاء من الإشتراكية الديموقراطية، كمثال  حزب العمال البولندي الموحد، الحزب الاشتراكي الألماني الموحد، الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي، حزب العمال النمساوي.

- مسار الأممية الشيوعية و تطوراستراتيجية الحركة الشيوعية العالمية.
-  تطور موازين القوى العالمية و تأثيره في نمو الانتهازية في الحزب الشيوعي السوفييتي. و تسليط الضوء على العوامل التي أدت إلى هيمنة الانتهازية في الحزب الشيوعي السوفييتي.

د- ضرورة الإشتراكية و راهنيتها.

إغناء الرؤية البرامجية للإشتراكية. ضرورة الإشتراكية و راهنيتها.

32-   يذكر برنامج الحزب التالي : "إن انقلابات الثورة المضادة لا تغير طابع العصر. إن القرن الواحد و العشرين سيكون قرن ارتقاء جديد للحركة الثورية العالمية وهو الذي سيشهد سلسلة جديدة من الثورات الاجتماعية". إن النضالات التي تجري للحفاظ على بعض المكاسب، و على الرغم من ضروررتها، لا تقدم حلولاً مجدية. يبقى المخرج الوحيد و أفقه الحتمي، الاشتراكية، و ذلك على الرغم من هزيمتها في نهاية القرن العشرين.

إن ضرورة الاشتراكية تتصاعد مع تفاقم التناقضات في العالم الرأسمالي المعاصر، و النظام الإمبريالي. و هي نابعة من حقيقة أن المرحلة الإمبريالية  لتطور الرأسمالية، المتصفة بهيمنة الاحتكارات، و بالنضوج الكامل  للظروف المادية اللازمة لتحقيق انتقال النظام الاجتماعي -الاقتصادي إلى مستوى أعلى.
لقد قامت الرأسمالية بتعميم الطابع الإجتماعي للإنتاج على نطاق غير مسبوق.
ولكن وسائل الإنتاج  ومنتجات  العمل الاجتماعي، تشكل ملكية خاصة رأسمالية. إن هذا التناقض هو "الرحم"المولد لجميع ظواهر أزمة المجتمعات الرأسمالية الحديثة : فالبطالة والفقر، المنتشران بشكل متفجر في غضون الأزمات الإقتصادية. و يوم العمل الطويل، على الرغم من النمو الكبير لإنتاجية العمل، مع تعميم أشكال التشغيل المؤقت. و عدم تلبية الاحتياجات الاجتماعية المعاصرة للتعليم - و التدريب المهني والوقاية وإعادة التأهيل، وفقا لمنجزات العلم والتكنولوجيا الحديثة. و التدميرالاستفزازي للبيئة والطبيعة، المؤثر بدوره على الصحة العامة، و على صحة الكادحين، مع عدم توفر الحماية من الظواهر الطبيعية على الرغم من القدرات التكنولوجية الحديثة. و الدمار الناتج عن الحروب الامبريالية وتهريب المخدرات والأعضاء البشرية ، الخ.

وفي الوقت نفسه، يُظهر التناقض الرأسمالي المخرج : و هو عبر تناسب علاقات الإنتاج مع مستوى تطور قوى الإنتاج. و إلغاء الملكية الخاصة لجميع وسائل الإنتاج، بدءاً بتحويل المتمركزة منها لملكية اجتماعية، واستخدامها  في الإنتاج الاجتماعي المخطط، الهادف لتلبية الاحتياجات الاجتماعية. و التخطيط المركزي الاقتصادي من قبل السلطة  العمالية الاشتراكية الثورية، مع تطبيق الرقابة العمالية. إن هدف الاشتراكية هو واقعي، لأنه مبني على تطور الرأسمالية نفسها. و تحديده كهدف لا يتعلق بموازين القوى، أي لا يتعلق بظروف تطور العمل الثوري، التي يمكنها ان تُسرِّع او تبطئ تنميته.

إن انتصار الثورة الاشتراكية، في بلد واحد أو مجموعة بلدان كبداية، هو ناشئ عن عمل قانون تباين التنمية الاقتصادية والسياسية للرأسمالية[54]، إن وضع الثورة الاشتراكية على جدول الأعمال، هو أمر لا ينضج في جميع أنحاء العالم في وقت واحد. حيث ستُكسر سلسلة الإمبريالية في حلقتها الاضعف.
إن الواجب"الوطني" لكل حزب شيوعي هو تحقيق الثورة الاشتراكية والبناء الاشتراكي فى بلاده، باعتبارها جزءاً من العملية الثورية العالمية. حيث سيساهم في إيجاد "اشتراكية متكاملة" في إطار تعاون "البروليتاريا الثورية في جميع البلدان"[55].

إن الموضوعة اللينينية، حول الحلقة الضعيفة، لا تتجاهل العلاقة الجدلية بين الوطني- الأممي أثناء العملية الثورية، وهو ما انعكس في حقيقة أن الانتقال إلى مرحلة أعلى من الشيوعية يتطلب سيطرة الاشتراكية عالمياً، أو على الأقل في منظومة البلدان المتقدمة الرأسمالية، ذات الثقل في النظام الامبريالي.
33- إن درجة نضوج الظروف المادية للاشتراكية، يختلف بين المجتمعات الرأسمالية، كنتيجة لقانون التنمية الرأسمالية الغير المتكافئة. فالمؤشر الرئيسي على تطور العلاقات الرأسمالية هو مدى اتساع وتركيز العمل المأجور.
في ظروف الامبريالية، ، قد يؤدي التأخر النسبي للرأسمالية لاحتدام التناقضات فجأة، وبالتالي لإيجاد أزمة ثورية، أي إيجاد إمكانية انتصار الثورة. لكن درجة التخلف الاجتماعي-الاقتصادي هو عامل سيصعِّب بناء الاشتراكية مستقبلياً في حالة انتصارها، و سيؤثر أيضاً على صراع القديم مع الجديد و على سرعة تحقيق البناء الإشتراكي، الذي يتأثر بالحالة الموروثة.[56].

و على أي حال، إن مستوى الماضي الرأسمالي، الموروث من قبل سلطة العمال الثورية، هو أمر لا يبرر التشكيك بالحتميات الرئيسية للثورة الاشتراكية والبناء الإشتراكي. فالحتميات المذكورة، تنطبق على جميع البلدان الرأسمالية، بغض النظر عن خصوصياتها المتشكلة تاريخيا، وهي التي وجدت بالتأكيد أثناء عملية البناء الاشتراكي في القرن اﻟ20. و بالتأكيد لن تغيب الخصوصيات المذكورة أثناء بناء الاشتراكية مستقبلياً، و هو بناء سيبدأ من قاعدة تطور رأسمالي أكثر من تطور روسيا في عام 1917بكثير.

إغناء الرؤية البرامجية للإشتراكية.

34- حدد المؤتمر الخامس عشر للحزب الشيوعي اليوناني، سمة الثورة القادمة في اليونان بإشتراكية. كما حدد أيضاًَ طابع الجبهة المناهضة للإمبريالية، والاحتكارات، و سمتها الديمقراطية، كتحالف اجتماعي وسياسي للطبقة العاملة مع الشرائح و الفئات الشعبية، و هي الجبهة التي تحت ظروف معينة و بقيادة الحزب الشيوعي اليوناني،  يمكن أن تصبح الجبهة الثورية لقيام الثورة الاشتراكية. هذا و قامت المؤتمرات اللاحقة بإثراء محتوى برنامج الجبهة، لا سيما المؤتمر السادس عشر.

يضع برنامج الحزب الشيوعي اليوناني الموضوعات الأساسية للإشتراكية، وهي التي نقوم بإغنائها وتطويرها الآن،عبر تقييمنا للإستنتاجات المستخرجة من بناء الاشتراكية في الإتحاد السوفييتي في القرن العشرين، على أساس الموضوعات الماركسية- اللينينية  المطروحة في الجزء الثاني(ب).

35- إن مستوى الاحتكارالمرتفع المحقق، وخاصة في السنوات الأخيرة، يشكل الشرط المادي لتحقيق التملك الاجتماعي الفوري لوسائل الإنتاج في الصناعة والتجارة والسياحة، لكي تشكل الثروة الناتجة ملكية اجتماعية. فعلى أرضية التملك الاجتماعي، يجري مباشرة إلغاء أي نشاط للمؤسسات الخاصة، في مجالات الصحة والرعاية الاجتماعية والتأمين والتعليم والثقافة والرياضة. كما أن كلا عاملي، الملكية الاجتماعية والتخطيط المركزي يوجدان الإمكانية للقضاء على البطالة.

إن التخطيط المركزي على أساس الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج المتمركزة، يشكل علاقة إنتاج شيوعية. فالتخطيط المركزي مدين بضمان تفوق التقسيم الثانوي الأول للإنتاج (أي شعبته الأولى)، على نظيره الثاني. و ضمان إعادة الإنتاج  الموسع النسبي. حيث ستغطي خطط الدولة أهدافاً على المدى الطويل، و المتوسط والقصير. أثناء تخطيطها للبناء الإشتراكي و الرفاه الإجتماعي.

حيث يُنظم تنفيذ التخطيط المركزي على أساس قطاعي، عبر مؤسسة واحدة للدولة متفرعة إقليمياً و قطاعياً. كما و يستند التخطيط على مجموعة من الأهداف والمعايير على النحو التالي :

- في مجال الطاقة : تطوير البنية التحتية لتلبية احتياجات الإنتاج المخطط مركزياً، والحد من تبعية البلاد من ناحية الطاقة، وضمان ما يكفي من الطاقة للاستهلاك الشعبي الرخيص، مع تأمين سلامة العاملين في هذا القطاع وسلامة المناطق السكنية المحيطة، و حماية الصحة العامة والبيئة. و ضمن هذا التوجه تسير  سياسة الطاقة على المحاور التالية :  الاستفادة من مصادر الطاقة المحلية (على سبيل المثال، الليغنيت، والطاقة المائية وطاقة الرياح وغيرها)، مع البحث المنهجي لإيجاد مصادر جديدة و للبحث عن التعاون الديموقراطي والمنفعة المتبادلة .

- إعطاء الأولوية لوسائل النقل العام، مقارنة مع وسائل النقل الفردية، و إعطاء الأولوية لوسائل النقل العام ذات المسار الثابت في قسم البلاد القاري "غير الجزر". المُخطط له بترابط و تكامل مع جميع وسائل النقل، بهدف تنقل الأفراد و المنتجات بسرعة وبتكلفة منخفضة، مع توفير الطاقة وحماية البيئة. و إيجاد تنمية مخططة هادفة   للقضاء على عدم تكافؤ التنمية إقليمياً، بهدف السيطرة الكاملة للدولة الاشتراكية على أمنها ودفاعها. هناك شرط أساسي لتحقيق أهداف تطوير النقل وهو تخطيط البنية التحتية كالموانئ والمطارات ومحطات السكك الحديدية والطرق - وصناعة وسائل النقل. كما ينطبق الشرط ذاته على قطاع الاتصالات، ومعالجة المواد الأولية  وقطاعات الصناعة التحويلية، وخاصة في إنتاج الآلات، بهدف تأسيس إقتصاد معتمد على ذاته، و الحد قدر الإمكان من التبعية للتجارة الخارجية و من التداولات مع الاقتصادات الرأسمالية في قطاعات حساسة مماثلة.

- سيتم تملُّك الأرض و كبار المؤسسات الرأسمالية الزراعية اجتماعياً، مع تشكيل لوحدات إنتاجية للدولة، لمعالجة المنتجات الزراعية والمواد الخام أو المنتجات الجاهزة للإستهلاك.

- سيتم دفع صغار المزارعين ومتوسطيهم نحو تشكيل تعاونيات إنتاجية، ستتمتع بحق استخدام الأراضي كأداة منتجة. في البداية يشارك صغار المزارعين ومتوسطيهم في التوزيع مع الأخذ في الاعتبار لوحدات الأرض والحيوان، التي انضموا بها الى التعاونية المعينة. إن إجراء التملك الاجتماعي للأرض، يمنع من جهة، إمكانية تركيز الأراضي داخل أو خارج التعاونية، و من جهة أخرى، يمنع تغيير استخدام الأراضي وتسليعها. إن الواقع اليوناني لا يتطلب إعادة توزيع الأراضي. فسوف يُستخدم المزارعون الغير مالكون للأراضي، في وحدات الزراعة المنظمة من قبل الدولة. وفي السياق نفسه، يتم دفع التعاونيات الإنتاجية لصغار منتجي المدينة.

ستقوم التعاونيات الإنتاجية بتهيئة الظروف، لتوسع العلاقات الشيوعية في جميع قطاعات الاقتصاد، عبر تركيز الإنتاج البضاعي الصغير وتنظيمه، وتقسيم العمل داخل التعاونية، وزيادة إنتاجية العمل، واستغلال التكنولوجيا الجديدة. كما و سيتشكل نظام توزيع للمنتجات التعاونية، عبرالمحلات التجارية التعاونية ومحلات الدولة.  كما و سيقوم التخطيط المركزي بتحديد نسبة المنتج (وسعر المنتج) الذي سيوزع من خلال السوق التعاونية و أيضاً  للمنتج المخصص للتوزيع من قبل جهاز الدولة. حيث سيشكل منظور الهدف من ذلك تدريجيا، التوصل  لتوزيع كامل منتج التعاونيات من خلال مؤسسة دولة، واحدة. كما و سترتبط التعاونيات الإنتاجية بالتخطيط المركزي، و أيضاً مخططات انتاج و استهلاك المواد الخام والطاقة، والآلات الجديدة والخدمات.
سيتم استخدام المنجزات العلمية والتكنولوجية الجديدة، بهدف الحد من وقت العمل، وتمديد وقت الفراغ، الذي يمكن استغلاله لرفع المستوى الحضاري- التعليمي، و الإستحواذ على القدرة على المشاركة الفعالة في رقابة إدارة المؤسسات و
السلطة.

تقوم هيئات الدولة بالتعاون مؤسسات التعليم العالي والمعاهد، وما إلى ذلك.. بتنظيم البحث العلمي الذي يخدم التخطيط المركزي، وإدارة الإنتاج الاجتماعي والخدمات الاجتماعية، وتحسين مستوى الرفاه الاجتماعي.
36-  هناك جزء من الناتج الاجتماعي، الذي يتم توزيعه وفقا للاحتياجات، و هو يغطي بمساواة حاجات المواطنين، أي الخدمات العامة و المجانية، والصحة، والتعليم، والرعاية الاجتماعية، والضمان الإجتماعي، والترفيه، وحماية الأطفال والمسنين، وخدمات النقل الرخيصة جدا (المجانية في بعض الحالات)، والاتصالات والكهرباء والمياه للاستهلاك الشعبي ، الخ...

كما ستتشكل بنية تحتية اجتماعية للدولة، ستعمل على تقديم الخدمات الاجتماعية العالية الجودة، لتلبية الحاجات المعيشية التي  تواجهها الأسرة (مثل المطاعم في أماكن العمل والدراسة).

- كما و سُيوفر لجميع الأطفال قبل سن المدرسة، تعليم إلزامي ما قبل المدرسة العامة. مع تأمين تعليم (أساسي) عام مجاني حصري، للجميع من خلال نظام مدرسي ذو برنامج موحد لاثني عشر عاماً، وإدارة و برامج و موظفين متخصصين. كما و سيتم تأمين تدريب مهني مجاني، يتبع التعليم (الأساسي) العام الإلزامي. و من خلال نظام موحد للتعليم العام العالي الحصري المجاني، الذي سيُنتج بدوره الكوادر العلمية المناسبة، للتدريس  في المنشأت التعليمية، و الكوادر ذات التأهيل العالي، ككوادر مختصة في مجالات البحث و الإنتاج الممتلك إجتماعياً و في دوائر الدولة.

- كما سيتم اعتماد نظام صحة و رعاية، عام حصري. حيث يقوم الإنتاج الاجتماعي المباشر (وسائل الإنتاج الممتلكة اجتماعيا، والتخطيط المركزي، والرقابة العمالية) بخلق الظروف المادية، بشكل يتمكن فيه الاقتصاد الاشتراكي النامي - و بمقدار درجة تنميته، من ضمان شروط الرعاية الصحية و الاجتماعية لجميع أفراد المجتمع على وجه السواء باعتبارها فوائد اجتماعية. كما و سيتم تأمين شروط ضمان العافية البدنية والعقلية والروحية والتنمية الثقافية للإنسان، المتعلقة بظروف العمل والحياة، والظروف العامة والبيئية والاجتماعية التي تؤثر على القدرة على العمل والنشاط الاجتماعي.

37-  من خلال وضع وتنفيذ أول خطة للدولة، يكون قد جرى تقييد لعمل العلاقات البضاعية المالية. إن الإستمرار في تقليص العلاقات المذكورة، و العمل في أفق هادف لإزالتها، يرتبط بالتوسع المخطط للعلاقات الشيوعية في جميع جوانب الإنتاج والتوزيع، و يرتبط أيضاً بالتوسع في توفير الخدمات الاجتماعية لقسم متزايد من احتياجات الاستهلاك الفردي. حيث يفقد المال تدريجيا محتواه كشكل للقيمة، ووظيفته كوسيلة لتبادل البضائع، حيث يصبح دليلا عن العمل يسمح للعاملين بالوصول إلى ذلك الجزء من الناتج الاجتماعي، الموزع وفقاً لعملهم.
إن مقدار وصول العاملين لهذه المنتجات، يتم تحديده من قبل مساهمتهم عبر العمل الفردي في جملة العمل  الاجتماعي. حيث يشكل وقت العمل مقياس المساهمة الفردية، المحدِد بدوره للخطة المتعلقة بأهداف : مثل توفير المواد و تطبيق التكنولوجيا الأكثر إنتاجية، و العقلانية الأكثر في تنظيم العمل، وممارسة الرقابة على الإدارة و التوجيه.

يشتمل حساب وقت العمل على مجمل احتياجات  الإنتاج الاجتماعي، و الظروف المادية لعملية الإنتاج، المتضمن للمساهمة "الفردية" في العمل، واحتياجات الإنتاج الاجتماعي الخاصة ( كتنقل القوى العاملة لمناطق معينة، والقطاعات ذات الأولوية في الإنتاج) وغيرها من الاحتياجات الاجتماعية الخاصة (مثل الأمومة و ذوي الحاجات الخاصة). حيث يتم تشكيل الحوافز لتطوير الموقف الشيوعي الطليعي تجاه  تنظيم العمل وتنفيذه، و تجاه الزيادة العامة في كفاءة التعاونية في وحدة الإنتاج أو في الخدمات الإجتماعية أو كنتيجة لتركيبة معينة لعمليات مختلفة. تهدف الحوافز بشكل أساسي للحد من العمالة اليدوية و الغير مختصة، ولتخفيض ساعات العمل، إلى جانب الحصول على البرامج التثقيفية، وخدمات الترفيه، والثقافة ، و عبر المشاركة في الرقابة العمالية . كما نرفض أشكال الحوافز المالية.

وفقاً للمبدأالمذكور تتشكل سياسة دخل نقدي، تعمل على تخفيف فروق دخل العمل النقدي، ومن ثم القضاء عليها. إن أية انحرافات مؤقتة تهدف إلى جذب الإختصاصيين لقطاعات معينة في الاقتصاد، ستُعالج بشكل مخطط عبر إعطاء الأولوية لزيادة دخل قطاعات العمال ذوي الدخل المنخفض.

يهدف التخطيط المركزي على المدى المتوسط و الطويل، لتعميم تنمية القدرة على العمل المتخصص، بل و القدرة على التبادل في تقسيم العمل التقني، و في تعميم تطوير إنتاجية العمل وخفض وقت العمل، في تطلع نحو القضاء على الفجوة الموجودة بين العمل الإداري والتنفيذي، وبين العمل الجسدي و الفكري.

- يجري تحوُّل في دور ومهام المصرف المركزي. فتنظيم وظيفة المال كوسيلة لتداول البضائع يقتصر على تبادل الإنتاج الاشتراكي مع الإنتاج الزراعي التعاوني و بشكل أعم  في الإنتاج  البضاعي لقسم  من المنتجات الاستهلاكية، الذي لا يتم انتاجه من قبل وحدات الإنتاج الاشتراكي، حتى القضاء التام على الإنتاج البضاعي. و على هذا الأساس يتحكم المال بوظائف مماثلة في بعض مؤسسات الدولة  المالية المتخصصة، بالتعاونيات الإنتاجية الزراعية وغيرها من تعاونيات صغار منتجي البضائع.

كما و ينطبق الشيء نفسه على التجارة و التداولات و السياحة الدولية، مع استمرار وجود الدول الرأسمالية على الأرض. على هذا الأساس، كجزء من التخطيط المركزي، ينظم احتياط الذهب أو غيره من البضاعة عبر أدائه كنقد عالمي. كما و يتشكل دور جديد للبنك المركزي في ممارسة دور المحاسبة الاجتماعية العامة، حيث يرتبط بهيئة التخطيط المركزي و أهدافه

38-  إن البناء الاشتراكي هو أمر لا يتوافق مع مشاركة البلد في المنظمات الامبريالية، كالإتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي. ستعمل السلطة الثورية و وفقا للظروف الدولية و المحيطة بالبلاد، على السعي  لتطوير علاقاتها الدولية، على أساس المنفعة المتبادلة، بين اليونان وغيرها من البلدان، ولا سيما مع تلك البلدان التي يمكن أن يؤمن مستوى التنمية فيها، وطبيعة مشاكلها ومصالحها المباشرة، تعاوناً يحقق المنفعة المتبادلة.

إن الدولة الاشتراكية ستسعى  موضوعياً للتعاون مع البلدان والشعوب التي، لها مصلحة مباشرة في المقاومة الاقتصادية والسياسية والعسكرية، للمراكز للامبريالية، و في المقام الأول مع الشعوب الأخرى التي تبني الإشتراكية في بلدانها. كما و ستسعى لاستخدام أي "صدع" جديد  في "الجبهة" الامبريالية، الناتج عن النزاعات و التضادات الإمبريالية، من أجل صيانة وتعزيز الثورة والاشتراكية. إن اليونان الاشتراكية، ستشكل و في حدود قدراتها، سنداً للحركة العالمية المعادية للامبريالية، الثورية، الشيوعية، وفيةً بذلك، لمبادئ الأممية البروليتارية.

39- هذا و تضطلع سلطة العمال الثورية، أي ديكتاتورية البروليتاريا، بواجب إعاقة جهود الطبقة البرجوازية والرجعية العالمية الهادفة لإعادة تنصيب سلطة رأس المال. فأمامها واجب خلق مجتمع جديد، عبر إلغاء استغلال الإنسان للإنسان. إن طابع عمل السلطة الثورية لا يقتصر على  القمع - التنظيم فقط. بل هو أيضاً طابع خلاق اقتصادياً، سياسياً، ثقافياً، تربوياً، دفاعياً ، تحت قيادة الحزب. و هي سلطة معبرة عن نمط أرقى للديمقراطية، تتجلى ميزته الأساسية، في مشاركة الطبقة العاملة و الشعب، الفعالة في حل المشاكل الأساسية أثناء بناء المجتمع الاشتراكي، و في ممارسة الرقابة على السلطة ومؤسساتها، التي تشكل بدورها أداة الطبقة العاملة في ظل الصراع الطبقي، المستمر عبرأشكال وظروف جديدة.

كما و تشكل الديمقراطية المركزية المبدأ الأساسي في تكوين الدولة الاشتراكية و عملها، وفي تطوير الجمهورية الاشتراكية، وفي إدارة وحدة الإنتاج و كافة الخدمات الاجتماعية.

ستستند سلطة العمال الثورية على المؤسسات التي سيتمخض عنها، النضال الثوري للطبقة العاملة وحلفائها. حيث  ستُستبدل روابط البرلمانية البرجوازية بروابط جديدة، للسلطة العمالية.

كما و ستشكل وحدات الإنتاج و مواقع العمل، نواة السطة العمالية، حيث  ستتم ممارسة الرقابة العمالية و الاجتماعية على الإدارة. و انتخاب ممثلي العمال، في مؤسسات السلطة من خلال المجتمعات الإنتاجية، كما و سيتم سحب وإبطال انتخابهم إذا اقتضى الأمر. أما بالنسبة للشباب المتواجد خارج عملية الإنتاج (الطلاب)، فهم سينتخبون ممثليهم ضمن الوحدات التعليمية. بطريقة خاصة، وذلك باستخدام المنظمات الجماهيرية ووحدات الخدمات الخاصة ، كما و ستكون هناك مشاركة للمرأة الغير العاملة وللمتقاعدين عن العمل.
ستجري أيضاً قوننة الرقابة العمالية و الإجتماعية مع تأمين ضمان ممارستها والنقد الكامل للقرارات والإجراءات التي تعيق البناء الاشتراكي، و ضمان استنكار التعسف الذاتي و موقف الكوادر البيروقراطية، وغيرها من الظواهر السلبية والانحرافات الممارسة من قبل السلطات الاشتراكية- الشيوعية.

إن تمثيل المزارعين و صغار المنتجين التعاونيين يعزز تحالفهم مع الطبقة العاملة. كما ان تشكيلة الهيئات العليا تتكون عن طريق انتخاب الممثلين من الهيئات القاعدية باتجاه العليا، حيث يتم ضمان أمر قدوم غالبية ممثلي هذه الهيئات من العاملين في وحدات الإنتاج الاشتراكي، و من مؤسسات الخدمات الاجتماعية العامة.

تتشكل أعلى هيئة للسلطة من هيئة عاملة – تشرِّع و تقوم بالادارة في نفس الوقت، و ذلك ضمن إطار مشترك يجري من خلاله تقسيم الصلاحيات بين التشريعية والتنفيذية. إن هذه الهيئة ليست  برلماناً، فممثلو الهيئة ليسوا بدائمين، بل هم قابلون للسحب كما أنهم لا يبتعدون عن الإنتاج،  بل يجري انتدابهم اثناء فترة خدمتهم، وفقاً  لاحتياجات عملهم كممثلين في الهيئة المذكورة. كما و أنهم لا يتمتعون بأي امتياز اقتصادي خلال مشاركتهم في مؤسسات و هيئات السلطة. يجري تعيين الحكومة من قبل أعلى هيئة، إضافةً لرؤساء قطاعات الصلاحيات  التنفيذية (الوزارات والإدارات واللجان ، الخ).

كما سيتم وضع دستور و قوانين ثورية تتوافق مع العلاقات الاجتماعية الجديدة و مع الملكية الاجتماعية، والتخطيط المركزي، و الرقابة العمالية، و هو الذي سيحمي الشرعية الثورية. كما و سيتشكل قانون العمل والأسرة المتناسبين، مع توطيد العلاقات الاجتماعية الجديدة عبر قوانين و تشريعات. مع تشكيل نظام جديد للقضاء المستند على روابط تحقيق العدالة الشعبية الثورية. حيث ستخضع المحاكم الجديدة تحت الأمر المباشر لمؤسسات السلطة. وتتكون السلطة القضائية من قضاة شعبيين منتخبين و قابلين للسحب، إضافةً لكادر قضائي دائم يقدم تقاريره المتعلقة بمستوى أدائه، نحو مؤسسات السلطة العمالية.

كما تتضمن مهام سلطة العمال الثورية، استبدال كافة الأجهزة الإدارية بأجهزة جديدة معبرة عن طابع الدولة البروليتارية. إن استخدام البنية التحتية و موظفي جهاز الدولة القديم، ينطوي على القيام باصلاحات ثورية لها. كما يتم تحديد حقوق وواجبات العاملين و وقت عملهم في إطار الحق الثوري. حيث يقوم التوجيه الحزبي، و دون حيازة أي امتياز إضافي، بالدفع نحو تطبيق التوجهات المذكورة أعلاه.
إن هيئات الأمن و الدفاع الثورية الجديدة، تعتمد على المشاركة العمالية و الشعبية، إضافةً لكادر محترف ودائم.

 كما سيتم استبدال الجيش وقوى القمع البرجوازية، بعد تفكيكها تماماً، عبر إنشاء روابط جديدة، على أرضية النضال الثوري المسلح، بهدف سحق مقاومة المستغلين والدفاع عن الثورة. حيث يتم الحفاظ على دور الحزب  القيادي للوحدات العسكرية وقوات حرس الثورة. حيث يتم تشكيل الكادر وفقاً لموقفه من الثورة.

كما و سيتشكل تدريجيا، من خلال الكليات العسكرية الجديدة، كادر جديد، قد تم اختياره أساسا من الشباب المتحدر من أصول عمالية. و هو الشباب الذي سيتلقى تربية على أساس مبادئ السلطة الجديدة. حيث سيتم الإستفادة من التجربة الإيجابية لبناء الاشتراكية، حيث تقتصر مهام الدفاع عن المكاسب الثورية على الكادر الدائم المختص، بل و بمسؤولية شعبية بواسطة لجان عمالية تعمل بنظام النوبات الخ...

40-  يضطلع الحزب الشيوعي اليوناني وبصفته طليعة الطبقة العاملة، بواجب قيادة النضال من أجل تحويل كامل  العلاقات الاجتماعية، لعلاقات شيوعية.

كما يتم توطيد دور الحزب القيادي، من خلال جهد متواصل لتطوير النظرية الماركسية - اللينينية ولاستيعابها بشكل أعمق، باعتبارها نظرية الشيوعية العلمية، كما و عبر استيعاب المنجزات العلمية الحديثة و التفسير الطبقي  للمشاكل التي تنشأ خلال تأسيس وتطوير التشكيل الاجتماعي- الإقتصادي الشيوعي.
ومن المهم في كل مرحلة ضمان تركيبة الحزب البروليتارية، علماً أن المجتمع الاشتراكي ليس متجانسا، بل يحتوي على تناقضات اجتماعية.

إن العامل المؤكد لطابع الحزب الثوري القيادي، هو قدرته على تفعيل المشاركة و الرقابة العماليتين، و أولا وقبل كل شيء في داخل الوحدة الإنتاجية و في الخدمة الإجتماعية.

إن دور الحزب ليس تربوياً - ايديولوجياً فقط. فهو حزب الطبقة المالكة للسلطة، المضطلع بدور قيادي نحو طبقته. و عليه يكون للحزب الشيوعي ارتباط  تنظيمي و قيادي مباشر مع سائر هيئات ديكتاتورية البروليتاريا. حيث  يقوم بوضع التوجهات الاستراتيجية المتعلقة بممارسة السلطة، كما يقوم بتعبئة الطبقة العاملة نحو ممارسة الرقابة و ادارة الإنتاج.

 

الخاتمة

سوف نقوم كحزب بمتابعة الدراسة و البحث، و في تلخيص الإستنتاجات بشكل أفضل، و البحث في القضايا التي لم نطرحها حتى الآن بشكل متكامل. كما و إن قدر أهمية الأمور المذكورة، لا يقلل من أهمية معالجتنا الحالية لمطلب  الاشتراكية – الشيوعية، و من أهمية استيعابها من قبل كافة قوى الحزب، و شبيبييه و شبيبياته إضافة لأصدقاء الحزب.

و على أساس تحقيق المهام المذكورة أعلاه، سيتم حسم إمكانية قيام الحزب، بالربط الشامل بين استراتيجيته و بين النضال اليومي، و قدرته على معالجة أهداف تتعلق بمطالب الكادحين اليومية، و عبر ربطها مع الاستراتيجية الهادفة لتحقيق سلطة العمال الثورية و البناء الاشتراكي.

 

شباط/فبراير 2009

المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي اليوناني





 

 

 

 



[1] كلية الإقتصاد في جامعة لومونوسوف موسكو "الإقتصاد السياسي" المجلد4، إصدار Gutenberg 1980 الصفحة150.

[2] "الموسوعة السوفييتية الكبرى"المجلد 31 الصفحة 340 حيث يذكر القانون بعنوان "مبادئ التشريع حول العمل في اتحاد الجمهوريات السوفييتية"

[3]  لينين الأعمال الكاملة إصدار دار "الحقبة المعاصرة – وهي دار نشر الحزب الشيوعي اليوناني" المجلد 43 الصفحة 79 و المجلد 44 الصفحة 191-200 .

[4] لينين  الأعمال الكاملة إصدار دار "الحقبة المعاصرة" المجلد 39 الصفحة 15.

[5] كارل ماركس "نقد برنامج غوتا" إصدار دار "الحقبة المعاصرة" الصفحة 22.

[6] كارل ماركس "رأس المال" إصدار دار"الحقبة المعاصرة"، المجلد الأول الصفحات 91- 92 .

[7] كارل ماركس "نقد برنامج غوتا" إصدار دار "الحقبة المعاصرة"الصفحات 21،22،23. و ضد ديرينغ إصدار دار "الحقبة المعاصرة" عام 2006 الصفحات 228،229، 230.

[8] كارل ماركس "رأس المال" إصدار دار"الحقبة المعاصرة"، المجلد الأول الصفحة 91،92. يجب حصر استخدام "الوقت" كمقياس للعمل في الإنتاج الإشتراكي، كتشبيه باستخدامه أثناء الإنتاج البضاعي.

[9] كارل ماركس "رأس المال" إصدار دار"الحقبة المعاصرة"،المجلد الثاني الصفحة 357.

[10] لينين الأعمال الكاملة إصدار دار "الحقبة المعاصرة" المجلد45، فقرة "حول ثورتنا".

[11] عشية الحرب العالمية الأولى، وُجد نمو كبير وتمركز للطبقة العاملة في روسيا : حيث قُدر عدد العمال ب 15 مليون، من بينهم أربعة ملايين في الصناعة والسكك الحديدية. أيضا ، تشير التقديرات إلى أن 56.6 ٪  من العمال الصناعيين كان متمركزاً في وحدات صناعية تشغِّل كل منها أكثر من 500 عامل. و في المرتبة 5 من حيث الحصة العالمية في حجم الإنتاج الصناعي و في المرتبة  4 في حصة أوروبا. بالتأكيد ، كانت فترة من النمو الصناعي التي بدأت في نهاية العقد الأول من القرن 20.  إن قطاعات صناعة وسائل الإنتاج زادت  من إنتاجها بنسبة 83 ٪ خلال الفترة 1909-1913 (نمو سنوي متوسط قدره %(13  ومع ذلك ، فإن الصناعة الرأسمالية الكبيرة تركزت في ست مناطق هي : وسط و شمال غرب بطرسبرغ، و البلطيق، وجنوب بولندا، الأورال، حيث تواجد ما يقارب 79 ٪ من العمال الصناعيين و حيث يُنتج 75 ٪ من إجمالي الإنتاج الصناعي. إن سمة التفاوت العميق التي ميزت اقتصاد  الإمبراطورية الروسية عشية الحرب العالمية الأولى  تنعكس في إحصاءات هذه المرحلة على الرغم  مشاكلها، فالطبقة العاملة قاربت بالكاد نسبة ال 20 ٪ من مجموع السكان (من مصدر لآخر تتراوح بين 17 ٪ - 19.5 ) كما شكل صغار المنتجين (المزارعين، الحرفيين) نسبة 66.7 ٪ ، في حين شكلت الطبقات المستغلة نسبة  16.3 ٪ (منهم 12.3 من الكولاك).

[12] في عام 1913 كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في روسيا يشكل نسبة 11.5 ٪ لمثيله في الولايات المتحدة. كما كان ثلثي سكان روسيا تقريبا، أميون تماما.

 

[13] قام مؤتمرالحزب الشيوعي الروسي (البلشفي) اﻟ 15 عام(1927). بمعالجة هذا التوجه حيث أعطى وزنا لزيادة إنتاجية صغرى و متوسطة الملكيات الزراعية "الوحدات الزراعية العائلية"، و للمعدات والتقنية. و لم يتعارض تأميم الأراضي مع حق ملكية الأرض من قبل صغار و متوسطي المزارعين. فالتأميم كان من مصلحة الأسر الريفية الصغيرة المتناثرة، هذا وكانت السياسة تجاه الأسر الريفية الصغيرة والإنتاج الصغير تتمثل بالمعونة لا بالصراع. كما و رُفضت إبادة الإنتاج الصغير بحجة الكبير. وفي الوقت ذاته، تم الترويج  لفوائد الكولخوزات و السوفوخوزات. كما ترافق ذلك مع مكافحة أجزاء معينة من الكولاك في القرية ومن ثم لاجتثاث طبقة الكولاك.

 

[14] قرار اللجنة المركزية الصادر بتاريخ 1930/3/15 و فقرة ستالين ("دوخة ثمل من النجاحات"،ستالين الأعمال الكاملة المجلد 12 ، صفحة 218-227) حيث يتم تحديد الأخطاء التي صعَّبت من تثبيت التحالف العمالي-الفلاحي، كما تموضع القرار لصالح الإعتراف بالأخطاء وتصحيحها، و ذلك في المناطق والحالات التي تسمح، من ناحية عدم وجود انحرافات أو حالة لا رجوع فيها.

[15] تتعلق "قضية شاهتينسك" بعمليات التخريب التي قام بها الاختصاصيون البرجوازيون من كوادر مصانع الفحم في منطقة دونباس، و هم الإختصاصيون الذين استخدموا من قبل السلطة السوفييتية في سبيل تنظيم وإدارة الإنتاج. حيث أثبتت المحاكمة التي جرت في عام 1928، ارتباطهم بالرأسماليين السابقين مالكي المناجم الذين لجؤوا للخارج، هذا وكانت عمليات التخريب هذه  جزءاً من خطة شاملة استهدفت تقويض الصناعة الاشتراكية والسلطة السوفييتية.

 

[16] على الرغم من النجاحات في تحقيق الخطة الخمسية الرابعة (1946 -1950) ، قامت قيادة الحزب الشيوعي السوفييتي وقتها بالإشارة إلى المشاكل التالية : تباطؤ وتيرة تطبيق المنجزات العلمية في مجموعة من قطاعات الصناعة و الإنتاج الزراعي. قِدم تجهيزات الوحدات الصناعية وانخفاض إنتاجيتها، استمرار إنتاج آلات و وسائل إنتاج تتصف بتقنية "عفا عليها الزمن". ظواهر الإتكالية، الروتينية، والجمود في إدارة المؤسسات، مع تجاهل تطبيق التقدم التقني، باعتباره حركة دائمة لتطوير القوى المنتجة. التأخر في نهوض الإنتاج الزراعي، وانخفاض معدل انتاجية الحبوب بالنسبة للمساحة، والإنتاجية المنخفضة للإنتاج الحيواني الذي لم يتمكن من الوصول إلى مستوى ما قبل الحرب، أمر أدى إلى نقص في اللحوم والحليب والزبدة والخضر والفاكهة، و أثر بدوره على الهدف العام المتلخص في رفع مستوى الرفاه الاجتماعي.

 

[17] غيوغي مالينكوف،"تقرير عمل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي (البلشفي) في الإتحاد السوفييتي، أثناء مؤتمر الحزب ال19"،   الصفحة 60،إصدارات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني.

[18] يوسف ستالين "القضايا الإقتصادية للإشتراكية في الإتحاد السوفييتي" إصدار دار "الحقبة المعاصرة" عام 1998، الصفحة 77، 78.

[19] يوسف ستالين "القضايا الإقتصادية للإشتراكية في الإتحاد السوفييتي" إصدار دار "الحقبة المعاصرة" عام 1998، الصفحة 44.

[20] ومن المؤكد أنه، مع إلغاء الرأسمالية ونظامها الاستغلالي، ومع تقوية النظام الاشتراكي في بلادنا، كان لا بدّ أن يزول التضاد بين المدينة والريف، بين الصناعة والزراعة. وهذا ما جرى ....فلا شك بالطبع في أن العمال والفلاحين الكولخوزيين يؤلفون، مع ذلك، طبقتين تختلف إحداهما عن الأخرى، بنتيجة وضع كل منهما. على أن هذا الاختلاف لا يضعف صداقتهما . بالعكس، إن مصالحهما تقوم على أساس  واحد، أساس توطيد النظام الاشتراكي وانتصار الشيوعية. (؟)

فإذا نظرنا مثلاً إلى الفرق بين الزراعة والصناعة، نجد أن هذا الفرق في بلادنا لا يعود فقط إلى اختلاف شروط العمل في الزراعة عن شروط العمل في الصناعة، بل يعود، قبل كل شيء، وبصورة رئيسية، إلى أن وسائل الإنتاج والأشياء المنتوجة في صناعتنا هي ملك للشعب، في حين أن الملكية في الزراعة ليست ملكية لكل الشعب، بل ملكية جماعة، ملكية الكولخوز. وهذا الأمر يؤدي، كما سبق القول، إلى بقاء تداول البضائع، ولا يمكن أن يكون الإنتاج البضاعي مع جميع النتائج التي تنجم عنه، ألا يزول هذا الفرق بين الصناعة والزراعة. ولذلك لا يمكن النكران أن زوال هذا الفرق الجوهري بين الزراعة والصناعة، يجب أن يكون في درجة أولى من الأهمية بالنسبة إلينا.

 

[21] غيوغي مالينكوف،"تقرير عمل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي (البلشفي) في الإتحاد السوفييتي، أثناء مؤتمر الحزب ال19"، 5 اكتوبر 1952، إصدارات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني.

[22] كان هناك الكثير من صغار الكولخوزات التي تضم ما يتراوح بين 10-30  من الوحدات الزراعية العائلية، وتتصف بصغر مساحة  أراضيها، مع عدم استغلالها الكامل للوسائل التقنية، حيث كانت تكاليفها الإدارية   مرتفعة جدا.

 

[23]  تأخير في تطوير آلية من شأنها أن تعكس للتخطيط المركزي، النسب  الواقعية الضرورية بين المجالات والقطاعات الاقتصادية.

[24]  إن توصيف القوى البرجوازية لإصلاحات عام 1965، لها أهميتها:

أ) تم وصفها من قبل فكر الاقتصاد البرجوازي، كعودة إلى الرأسمالية (منشورات "الإيكونوميست" ، "فاينانشال تايمز").

ب) تم  دعم الإصلاحات المذكورة من قبل الاقتصاديين البرجوازييين الغربيين والمدرسة الكينزية و الإشتراكية الديمقراطية، والتي وصفتها " كتحسين للتخطيط ، ومكافحة البيروقراطية."

 

[25] تم إلغاء (السوفناخوز) عام 1965، و أُعيدت الوزارات القطاعية لإدارة الإنتاج الصناعي.

[26] حتى ذلك الحين كانت الجرارات و الآليات الأخرى ملك الدولة، متمركزة في (محطات آليات) حيث كان يقوم بتشغيلها العمال.

[27] قررت الجلسة الموسعة لأعمال اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي، في شباط/فبراير عام 1958، باتخاذ قرار ينص على تفكيك و حل (محطات الآليات) و ببيع وسائلها التقنية للكولخوزات، و هي سياسة قادت لتوسيع الملكية التعاونية (الكولخوزية) على حساب الملكية الإجتماعية.

[28] الجلسة الموسعة لأعمال اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي آذار/مارس 1965، تقرير ليونيد بريجينيف بعنوان "الإجراءات الضرورية العاجلة بهدف زيادة تنمية الإقتصاد الزراعي السوفييتي".

[29] استخدم الاتحاد السوفياتي حتى عام 1958  أشكال التموين بالمنتجات الزراعية من التعاونيات، كانت تحد من العنصر "السوقي" أو تحول منه "لبضاعة" من ناحية شكلية و ليس بشكل جوهري : فكانت إمدادات إلزامية و بأسعار تموين مخفضة، التي كانت تتمتع بامكانية فرض الضرائب، والعقود، أي بيع التعاونيات لمنتجاتها بموجب عقود مع المؤسسات التموينية، ودفع أجور "محطات الآليات" بشكل عيني، شراء المنتجات بسعر يتجاوز أسعار الإمدادات الإلزامية. وقد تم تطبيق نظام الضرائب في فترة 1932-1933. في حين كانت العقود قد ظهرت في وقت سابق وتوسعت في إمدادات المنشآت الصناعية.

 

[30] كان وحدات الإنتاج العائلية الزراعية المساعدة تنتج عام 1970 في الاتحاد السوفييتي، تنتج 38 ٪  من الخضروات، و35 ٪  من اللحوم، و 53 ٪ من البيض. كان إنتاج الوحدات المذكورة يشكل 12 ٪ مجمل  الاقتصاد الزراعي المخصص للبيع في السوق، و (8 ٪ من المنتج البضاعي، و٪ 14 من الإنتاج الحيواني.)

[31]  الجلسة الموسعة لأعمال اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي ايلول/ سبتمبر 1965، بعنوان : "لتحسين إدارة الصناعة ، واتقان التصميم و من أجل دعم  التحفيز الاقتصادي للإنتاج الصناعي. " "إصلاحات كوسيغين"  كانت في تصاعد خلال السبعينات.

[32] أدخلت  الإصلاحات في مجال الصناعة "تجريبيا" عام 1962 لتشغيل مؤسستي تصنيع ملابس، وفقا للتوجيه الذي اقترحه الأستاذ ليبرمان (المعروف باسم نظام خاركوفو).  حيث زعم ليبرمان أن حساب مكافأت المدراء على أساس تجاوز الخطة، كان قد خلق تضاداً بين مصالح المدراء ومصالح المجتمع السوفييتي بأكمله  وذلك لقيام المدراء بإخفاء القدرات الإنتاجية الحقيقية للمؤسسات، كما و عملوا على إيجاد إحتياطي من المواد الخام والمنتجات، مع عدم مبالاتهم  لإيقاف إنتاج  إنتاج "المنتج المعطوب" ، كما و منعوا  تطبيق التكنولوجيا الجديدة لكي لا تتغير " القواعد "، أي مؤشرات الإنتاج الاجتماعي، التي تقيس إنجاز الخطة الموضوعة، فعلى سبيل المثال القيام بتصنيع الورق السميك بدلا من الرقيق، لأن "قواعد" حساب المعايير هي على أساس الوزن ، أي  أنه قام باستخراج استنتاجات صحيحة، ولكنه اقترح السياسات الخاطئة لعلاجها. على هذا الأساس إقتنع الشيوعيون والكادحون  بضرورة هذه التدابير.

[33]" الموسوعة السوفييتية الكبرى" المجلد 20 ، كلمة "سوفوخوز"  الصفحة 607 (في النسخة اليونانية).

[34] فيكتور ميخايلوفيتش غلوشكوف "قضايا تخص الباقين" نُشر في العدد 1 عام 2005 من المجلة الفكرية و السياسية للحزب الشيوعي اليوناني (كومونيستيكي إبيثيوريسي = التنظير الشيوعي)، و أيضا في  عمل ن. د . بيخوروفيتش "الحل البديل عن إصلاحات عام 1965"السوقية"، الذي لم يتلقى قبولاً"، نُشر في العدد 3 لعام 2005 للمجلة المذكورة.

[35] وثائق المؤتمر الذي أجراه الحزب الشيوعي اليوناني عام 1995 تحت عنوان "تقديرات و تأملات حول العوامل التي حسمت قلب النظام الإشتراكي في أوروبا، الإشتراكية كضرورة راهنية حاضرة" الصفحة 23-24.

[36] غيوغي مالينكوف،"تقرير عمل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي (البلشفي) في الإتحاد السوفييتي، أثناء مؤتمر الحزب ال19"، نُشر في العدد 2 لعام 1995 لمجلة(كومونيستيكي إبيثيوريسي = التنظير الشيوعي).

[37] في المصدر المذكور أعلاه.

[38] "الموسوعة السوفييتية الكبرى"المجلد 17 الصفحة 671 في تعريف "الحزب الشيوعي السوفييتي".

[39] غيوغي مالينكوف،"تقرير عمل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي (البلشفي) في الإتحاد السوفييتي، أثناء مؤتمر الحزب ال19"، نُشر في العدد 2 لعام 1995 لمجلة(كومونيستيكي إبيثيوريسي = التنظير الشيوعي).

[40] إن ما يستنتج من كل ماذكر حول تاريخ الحزب الشيوعي السوفييتي، هو وجود صراع حاد في رئاسة اللجنة المركزية في حزيران/يونيو 1957، أي بعد عام من المؤتمر اﻟ 20. حيث عارض كل من أعضاء الرئاسة مالينكوف،كانغانوفيتش، مولوتوف. خط المؤتمر ال20 على كلا صعيدي السياسة الداخلية والخارجية : أي ضد  توسيع  صلاحيات الجمهوريات الإتحادية في البناء الاقتصادي والحضاري، و ضد إجراءات تقليص جهاز الدولة و إعادة تنظيم المؤسسات الصناعية و إعادة البناء، كما و عارضوا زيادة الحافز المادي لمزارعي الكولخوزات، ضد إلغاء تسليم الوحدات الفردية (العائلات) الإلزامي لمنتجاتها الزراعية. كما و عارض مولوتوف التوسع نحو الأراضي البكر والبور. كما و عارض المذكورون ثلاثتهم  لخط السياسة الخارجية للحزب. في نهاية المطاف ، تمت اقالة الثلاث المذكورين إضافة ل سبيلوف، من اللجنة المركزية و من رئاستها في  حزيران / يونيو كما رافق ذلك توجيه تحذير جاد ل بولغانين. كما فرضت عقوبات أخرى على غيرهم : حيث تم تخفيض موقع بيرفوخين من عضو في رئاسة  اللجنة المركزية لعضو"احتياطي"، كما أقيل سابوروف من موقع العضوية "الإحتياطية" لرئاسة اللجنة المركزية. كما تم في أكتوبر 1957 توسيع رئاسة و سكرتاريا اللجنة المركزية، بأعضاء جدد. من "تاريخ الحزب الشيوعي السوفييتي" ، "المطبوعات السياسية والأدبية ، 1960 الصفحات 861-865.

[41] ذكر فيكتور تولكين الأمين العام الأول الحالي، للجنة المركزية لحزب العمال الشيوعي في روسيا، في كلمته التي ألقاها في المؤتمر الدولي الذي عُقد في موسكو  عام 1997،  بمناسبة ذكرى مرور 80 عاماً على ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى، الأمور التالية :
- تبني  المؤتمرال 19 للحزب الشيوعي السوفييتي، للتعددية السياسية.
- أن المؤتمر ال28 فتح الطريق نحو سياسة السوق.
- مهدت جلسة اللجنة المركزية الموسعة للحزب الشيوعي السوفييتي، المنعقدة في نيسان/ أبريل 1991 ، الطريق لسياسة الخصخصة.
- اتباع  سياسة الاستقلال (الانفصال عن الاتحاد السوفياتي) من قبل مجموعة من الشيوعيين في مؤتمرات السوفييتات.
-
 صدقت الأغلبية المدعوة "بشيوعية" على تفكيك الاتحاد السوفييتي، في مجلس السوفييت الأعلى.
كما و كان تولكين قد ذكر في في مقال نشره بمناسبة مرور 10 أعوام على انعقاد المؤتمر اﻠ 28 للحزب الشيوعي السوفييتي، أن ظهور فريق "مبادرة الحركة الشيوعية" لاول مرة، أثناء مؤتمر تأسيس حزب شيوعيي عموم روسيا الاتحادية  (في سياق حزب الشيوعي السوفييتي) ، و هي المبادرة التي صوتت إلى جانب غيرها في وقت لاحق ضد القرارات الصادرة عن المؤتمر ال 28 للحزب الشيوعي السوفييتي.

[42] أشار لينين  : "عند التكلم عن اتفاق بين الطبقة العاملة والفلاحين، يمكن للمرء أن يعني ما يشاء. اذا لم يكن احد يرى أن من وجهة نظر الطبقة العاملة فقط الاتفاق مسموح، و صحيح، ومن حيث المبدأ. ( المترجم :في الطبعة الروسية يقول : من حيث المبدأ) ممكنة عندما تدعم ديكتاتورية الطبقة العاملة، وهي واحدة من التدابير الرامية لإجتثاث الطبقات(؟) "( لينين. "حول الضريبة العينية"، المجلد 43، إصدار دار الحقبة الجديدة صفحة. 301). أيضا ، في مكان آخر من النص نفسه، ملاحظة لينين : "ماذا نعني بقيادة و توجيه الفلاحين ؟ وهذا يعني أولا أن تتبع خط اجتثاث الطبقات وليس خط صغار  الفلاحين المنتجين،  إذا ابتعدنا عن هذا الخط، لن نكون باشتراكيين و سننحدر حينها لمستوى البرجوازيين الصغار و المناشفة و الإسريين".(صفحة .318).

 

[43] جمهورية روسيا الفيدرالية السوفييتية الإشتراكية.

[44] ذكر أندريه زدانوف في تقريره المقدم نحو الإجتماع الموسع للجنة المركزية للحزب الشيوعي في روسيا (البلشفي)  المنعقد في (فبراير- مارس 1937)، المشاكل التي سعى النظام الجديد لحلها و هي التالية :"(؟) التغلب على النفسية  الضارة، التي يتسم بها عدد من كوادرنا الحزبية و السوفييتية، الذين يعتقدون بإمكانية حصولهم مجاناً على الثقة الشعبية، والنوم بسلام ،  منتظرين أن تُقدم  لهم المقاعد البرلمانية واصلة حتى أبوابهم ، و ذلك أثناء التصفيق لهم  للخدمات السابقة. فخلال الاقتراع السري لا يمكنك الحصول مجاناً على الثقة(؟).

لدينا شريحة هامة من كوادر منظمات الحزب و السوفييتات، الذين يعتقدون أن واجبهم ينتهي في الواقع بمجرد انتخابهم في السوفييتات، و هو أمر يشهد عليه، تغيب عدد كبير من المسؤولين عن حضور جلسات السوفييتات، ومجموعات و فرق النواب في سوفييتاتنا، متجنبين بذلك القيام بواجباتهم الإساسية كنواب (؟). كما و يميل الكثير من كوادرنا لتصبح عناصر بيروقراطية، فمع وجود نواقص  كبيرة في عملهم، فهم على استعداد للاعتذار عشر مرات عن عملهم أمام مكتب لجنة الحزب، في دائرة الأسرة الضيقة، على أن يخرجوا لجلسة السوفييت العامة، ليعرضوا نقدهم الذاتي و ليستمعوا إلى انتقادات الجماهير. كما  وأعتقد أنكم تعلمون بشكل جيد بأن الأمر ينطبق علي شخصياً". نُشر في العدد الرابع لعام 2008 لمجلة(كومونيستيكي إبيثيوريسي = التنظير الشيوعي).

 

[45] حول هذه القضية توجد تقديرات و استنتاجات ضمن منشور الموضوعات الذي أصدرته اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني تحت عنوان"بمناسبة مرور 60 عاماًً على نصر الشعوب على الفاشية، 9 أيار/مايو 1945" الصادر في نيسان/أبريل 2005.

[46] في مرحلة أولية بتاريخ 9 أيلول/ سبتمبر 1939 وصفت السكرتاريا التنفيذية للأممية الشيوعية الحرب، كحرب نهب إمبريالية من كلا الطرفين، داعية البلدان المنخرطة فيها للنضال ضدها.

[47] أكاديمية العلوم في الإتحاد السوفييتي "تاريخ الأممية الثالثة"الصفحة 428، إصدار دار "الحقبة المعاصرة".

[48] يُذكر أن مؤتمر الحزب الشيوعي اليوناني السابع عام 1945 قد اعتمد قرارا "من أجل الوحدة السياسية العالمية للطبقة العاملة" ، حيث يذكر القرار ضمن أمور أخرى : "(؟) يعبر المؤتمر السابع عن من أمنيته بدمج كافةالأحزاب العمالية المؤمنة بالإشتراكية في العالم، بغض النظر عن إختلافاتها، ضمن منظمة  سياسية عالمية موحدة للطبقة العاملة ".

 

[49] بالفعل ، في عام 1935 ،" أوصى المؤتمر السابع للأممية الشيوعية نحو سكرتاريتها التنفيذية بنقل التركيز على النشاط  على معالجة الموضوعات السياسية الرئيسية والموضوعات التكتيكية للحركة العمالية العالمية، مع إعتبارات ظروف وخصوصيات كل بلد" ،  كما و نصح أيضا السكرتاريا " بتجنب التدخل المباشر في شؤون الأحزاب الشيوعية". بعد المؤتمر السابع بدأ ما يعرف بإعادة تنظيم جهاز الأممية الشيوعية،  التي نصت على ما يلي : " إن النشاط العملياتي ينتقل إلى أيدي الأحزاب نفسها؟ حيث جرى إلغاء الأمانات الإقليمية ، التي كانت الى حد ما تمارس التوجيه العملياتي(؟) كما و جرى استبدال اقسام الأممية السابقة كلها بقسمين و هما قسم الكوادر و قسم الدعاية و المنظمات الجماهيرية."

[50] الكومينفورم (مكتب إعلام الأحزاب الشيوعية): كان مكتبه مؤلفاً من ممثلي أحزاب شيوعية و عمالية من : بلغاريا، هنغاريا، إيطاليا، بولندا، رومانيا، الإتحاد السوفييتي، تشيكوسلوفاكيا و فرنسا.

[51] تقرير عمل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي (البلشفي) نحو مؤتمره ال19، إصدارات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني، الصفحة 28.

[52] "المؤتمر ال20 للحزب الشيوعي السوفييتي إصدارات (زوغيا)، عام 1965، الصفحة 8."

[53]  " ارتبط إعداد الحرب الجديدة ارتباطا وثيقا، بإخضاع بلدان أوروبا والقارات الأخرى من قبل الامبريالية الأمريكية، فمخطط مارشال، و الإتحاد الغربي و الناتو، وجميع حلقات سلسلة التآمر الإجرامي ضد السلام، و هي السلسلة التي يضعها  المحتكرون في أعناق الأمم الأخرى. إن واجبات الأحزاب الشيوعية و العمالية في البلدان الرأسمالية، يتمثل في الجمع بين النضال من أجل الاستقلال الوطني مع النضال من أجل السلام، و في  الإستمرار بفضح الطابع اللاوطني و الخائن لسياسة الحكومات البرجوازية التي أصبحت و بشكل علني أذناباً للامبريالية الامريكية، و العمل على توحيد وجمع كل القوى الديمقراطية الوطنية في كل بلد حول شعارات من أجل القضاء على الاستعباد الأمريكي المعيب، والانتقال الى سياسة خارجية وداخلية مستقلة تتجاوب مع تلبية المصالح الوطنية للشعوب. يجب على الأحزاب الشيوعية و العمالية الحفاظ عاليا  على راية الدفاع عن الاستقلال الوطني  و عن سيادة الشعوب. "

 

[54]  لينين "حول شعار الولايات المتحدة الأوروبية" ، الأعمال الكاملة إصدار دار "الحقبة الجديدة"، المجلد 26 ، صفحة 359 - 363 ، "البرنامج العسكري للثورة البروليتارية" ، و في نفس المصدر و المجلد 30 ، صفحة  131-143.

[55] لينين حول الصبيانية اليسارية والبرجوازية الصغيرة، الأعمال الكاملة المجلد 36، صفحة 306،إصدار دار "الحقبة الجديدة".

[56] دعم لينين في وقته الموضوعة القائلة" بسهولة مباشرة الثورة الإشتراكية و صعوبة متابعتها" في البلدان المتصفة "بنصف ضعف" مستو نموها الرأسمالي.


e-mail:cpg@int.kke.gr
أخبار


 
 

الصفحة الرئيسية | الأخبار | تاريخ الحزب | اللقاءات العالمية | صور\موسيقا\فيديو | مواقع صديقة | للاتصال بالحزب


الحزب الشيوعي اليوناني -- اللجنة المركزية
145 leof.Irakliou, Gr- 14231 Athens tel:(+30) 210 2592111 - fax: (+30) 210 2592298
http://arold.kke.gr - e-mail: cpg@int.kke.gr